وثيقةٌ شبابية لإصلاح الواقع السياسي الفلسطيني
تاريخ النشر : 2021-10-21 15:36

غزة:

تقول وثيقةٌ سياسية قدمها باحثون شباب: "إن على الفلسطينيين المضي في أربعة طرقٍ بالتوازي، من أجل إنقاذ الواقع السياسي الداخلي من المأزق الذي يمر به".

الوثيقة التي عُرضت نتائجها خلال ورشةٍ حوارية حملت عنوان: "رؤية شبابية للخروج من المأزق الفلسطيني الحالي"، شددت على أهمية العمل داخليًا، وعربيًا، وعلى مستوى العلاقة مع الاحتلال، وعلى الصعيد الدولي أيضًا.

بمعنى أدق: لقد دعت الوثيقة خلال الورشة التي نفذها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات"، بالشراكة مع مؤسسة "فريدريش ايبرت" الألمانية، إلى "نفض الحالة الفلسطينية الحالية بالكامل".

وتحدثت الوثيقة في مقدّمتها عن النظام السياسي الفلسطيني الذي دخل في أزمةٍ عميقة، تمثلت مظاهرها في قضايا الشرعية، والهوية، والمراكز القيادية، وغياب المشروع الوطني الجامع.

وقال د.عماد أبو رحمة المستشار في "مسارات": "إن مضمون الوثيقة هو نتاج حوار جمع بين شباب وباحثين فلسطينيين وعرب وأجانب وصناع قرار، وهنا قرر الشباب أنهم لن يكتفوا بالحضور، بل عليهم أن يكونوا جزءًا من الحالة، ومرحلةً من مراحل الإصلاح".

تداعى الشباب -حسب أبو رحمة-  لعقد عدّة جلسات بعد الحوار، لبلورة الوثيقة التي انعكس تعدد الاتجاهات الفكرية والسياسية للشباب على بنودها، الأمر الذي جعل من الصعب نسبها لشخصٍ أو جهة، فهي من بنات أفكار من أعدّوها، وستمتد لإثارة المزيد من النقاش حولها، ثم يتم تقديمها للقيادات السياسية".

بدوره، أشار د.أسامة عنتر مدير البرامج في مؤسسة "فريدريش-ايبرت"، إلى أن المؤسسة تحاول التركيز على قطاع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا، وقال: "لو فكرنا في الطبقة السياسية الحاكمة حاليًا، سنجد أنها ساهمت فقط في إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في أذهان المجتمع الفلسطيني، وضمن تشوّه في أكثر من مرحلة مع الأسف".

فالشباب -حسب عنتر- "ولو قدموا مقترحات غير صائبة، يمكن أن نلتقط من بين ثنايا أفكارهم زاويةً قد تغير كل المعادلة، فهم من سيحملون الشعلة، وهم من عليه أن يفكر خارج الصندوق".

وذكر موقفًا مرّ به قبل وقت فقال: "ذات مرة سألت شابّة عن السقف السياسي الذي تفكر فيه، فأجابت: لماذا أحدد سقفًا إذا كان الواقع يمكن أن يتغير للأفضل (..) كان ردها مفاجئًا يوحي بأنها –وعدد كبير من الشباب مثلها- يفكرون خارج الصندوق، بينما الكثير من القادة هم حبيسو أفكار معينة".

محمد الحطّاب أحد أفراد الفريق الشبابي الذي أعدّ الوثيقة، بدأ حديثه خلال الورشة بالقول: "إن الكثير من الأسئلة طرحناها على أنفسنا أثناء إعداد الوثيقة، وأبرزها: أين نحن الآن؟ وإلى أين نريد أن نصل في هذه الرؤية القابلة للتعديل والتطوير؟"، ملفتًا إلى أنه يراها (يقصد الوثيقة) مسودة نتاج جمع أفكارًا مختلفة، ورؤىً متقاربة ومتضادة، "مجموعها أنتج رؤيةً جامعة تناقش المأزق الذي نمرّ فيه".

واستعرض الحطّاب ملامح الوثيقة التي تضّمنت مقدمةً عن المأزق السياسي الفلسطيني، وأهدافًا أبرزها إشراك الشباب في الحوار الدائر حول سبل تجاوز أزمة النظام السياسي، إضافةً إلى الأبعاد أو الطرق الأربعة الرئيسية –المذكورة في مقدمة التغطية.

في البعد الداخلي؛ وضعت الوثيقة رؤيةً واضحةً لخطواتٍ سياسية تُفضي إلى إنهاء الانقسام، وتبنّي خطةٍ وطنيةٍ شاملة لإدماج الشباب في عملية إصلاح تداعياته، وتشكيل جبهةٍ وطنيةٍ تعمل على تفعيل المقاومة الشعبية كأداةٍ من أدوات النضال.

أما على مستوى العلاقة مع الاحتلال، فكان أبرز نقطة هي التمسك بقرارات الشرعية الدولية والتصدي للاستيطان، وتعزيز الهوية الوطنية، ودعم حركة المقاطعة الدولية.

وعلى المستوى العربي، تحدثت الوثيقة عن  إعادة تفعيل القضية الفلسطينية، ومواجهة التطبيع عبر مجموعة من التدخلات الرسمية والشبابية، أما دوليًا، فمن خلال تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية عبر إعادة الاعتبار لدورها، وإطلاق حملة دولية لفضح جرائم الاحتلال.

في أول تعقيبٍ على الوثيقة التي أشاد بمضمونها الحضور، رأت الناشطة السياسية رتيبة النتشة، أنها تتفق مع المزاج العام للشارع الفلسطيني، ومع الخطابات الصادرة عن القوى الفلسطينية، مستدركةً بالقول: "لكن يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الإقليمية والدولية، وأن تبحث بجدّية عن رؤية واقعية لمعالجة الأزمة الفلسطينية بكافة تفاصيلها".

وقد احتفل الاحتلال –مؤخرًا- بالذكرى السنوية لاتفاقية "أبراهام" التطبيعية، وكان من الملفت حجم الشباب العرب والأجانب الذين شاركوا به، "ما يعطي تصورًا بضرورة تكثيف حملات الضغط والمناصرة خارجيًا" تضيف.

كذلك –حسب النتشة- لا بد من انخراط الشباب بشكل واعٍ في مؤسسات المجتمع المدني، والتنظيمات السياسية، "ورغم التنافس الواضح بين هذين الاتجاهين، لكن الأصل أن يكون هناك تعاون".

وعدَّ الباحث الشاب أحمد سمرة، من جانبه، تقديم الشباب لرؤية، "هو بحد ذاته مدخل للخروج من المأزق"، قائلًا: "ونبقى أمام تحدٍ كبير يتلخص في ضرورة تطويرها وتسليمها للفصائل، ليتم تبنيها، خاصةً أنها تتضمن رؤيةً عملية، ما يعني أن الشباب باتوا قادرين أيضًا على إعداد برنامجٍ سياسيٍ يحدد الثوابت وآليات النضال والمرتكزات الوطنية، التي يمكن العمل من خلالها".

ويذكّر سمرة بأن جذور الخلاف الفلسطيني بدأت منذ مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو، "وهذا يدفعنا للحديث عن حاجة للنظر بموضوعية إلى المطالبة بتغيير الدور الوظيفي للسلطة، بحيث يمكن تصويبها نحو فصل الدور الوظيفي عن القرار السياسي"، مضيفًا: "أما النقاط المتعلقة بمقومات الصمود، فهي بحاجة إلى الكثير من النقاش لمعالجة تداعيات الحصار والاستيطان".

وفي السياق، قدم الباحث زيد إبراهيم من القدس، ملاحظاته على شكل تساؤلات، أبرزها حول منظمة التحرير التي تضم 44 جسمًا ما بين مؤسسات واتحادات ونقابات. "هل سيتم معالجتها جميعًا أم تجزئة المعالجة؟". يقول: "وفي ما يتعلق بالهوية الفلسطينية، نحن نريد أن يرى الشباب الفلسطيني نفسه ككل داخل منظمة التحرير، سواءً في الداخل أو الشتات".

وتساءل إبراهيم عن إعادة تشكيل المجلس الأعلى للشباب والرياضة، "هل المقصود داخل الوطن أم خارجه؟" ، مطالبًا بالإجابة عن أسئلة توفير مقومات الصمود أيضًا في الوقت الذي "نشهد فيه حالة هجرة للشباب من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي وقت يتوجه فيه الكثيرون للعمل في القطاعات الإنتاجية للاحتلال" يقول.

ويعكس الجهد المبذول في بلورة الوثيقة -تبعًا للباحث رامي مراد- "نضجًا سياسيًا لدى الشباب"، مشيرًا إلى وجود بعض الملاحظات عليها "وأـبرزه تتعلق بأن أزمة الشعب الفلسطيني ترتبط بشكل أساسي بوجود الاحتلال القائم على نفي وجوده".

ويرى مراد أن الوثيقة أظهرت أن الانقسام هو جوهر الخلاف، "وهو امتداد تراكمي منذ أوسلو التي ما تزال القيادة الفلسطينية تراهن على إحياء مسار التسوية وتكرر المغالطات ذاتها"، مقترحًا ضرورة إبراز ما يشير إلى دمج الشباب في العمل السياسي ومنظماته والفصل بين السلطات، والتركيز على دعم المزارعين لتقوية اقتصاد الصمود.

وفي نهاية الورشة، فتح القائمون عليها باب النقاش، لتكون من ضمن المقترحات المهمة: ضرورة إشراك الشباب في السفارات الفلسطينية من أجل إصلاح عملها، فهي تقوم بمهام قنصليات خدمية- وليس بأدوارٍ سياسية تعكس الرؤية الفلسطينية، بالإضافة لإبراز الدور الذي يمكن أن يقوم به الشباب في نشر القضية الفلسطينية عالميًا خاصة من خلال الدبلوماسية الرقمية.