هكذا قلب "الفشل الكلوي" حياة شابةٍ وابنها بغزة
تاريخ النشر : 2021-10-04 13:49
صورة تعبيرية

غزة:

لم تأبه السيدة منال –اسم مستعار- (30 عامًا) بصباح يوم حار رطب مرَّ به حي "التوام" الواقع شمال قطاع غزة؛ فعلى الرغم من أنه لا موعد لديها اليوم للوصول إلى مستشفى دار الشفاء، وتحديدًا لقسم "الغسيل الكلوي"، إلا أنها تركت فراشها باكرًا ومضت تجهز ابنها لؤي (9 أعوام) ليومٍ دراسيٍّ زخم.

قبل كل شيء، أعدّت الشابة لابنها وعائلتها -حيث تعيش مع أبيها وأمها وأشقائها- فطورًا شهيًّا مع إبريق شاي قطفت له "النعناع" من زرعٍ تهتمُّ به.

إنها اليوم نشيطة، وتشعر أنه "يوم عيد" ما دام لا موعد لها مع ماكينة الغسيل الكلوي، كما تصف.

استقبلتنا منال بفناء منزل والدها المنمّق، فهنا ترص قوارير الزرع والفراش العربي بشكلٍ جذاب. في البداية عُدنا بالذاكرة مع منال إلى بضع سنوات مضت، فبعد فشلها في الحصول على شهادة الثانوية العامة، تزوجت من ابن عمها، وقضت سنوات زواجها الأولى بشكل اعتيادي حتى باغتها مرض الفشل الكلوي في العام 2014. 

في ذلك الوقت، صعقت منال بأن مجرد أوجاعٍ عادية كالارتجاع والمغص هي دليل على إصابتها بـ"الفشل الكلوي"! تقول: "قضيتُ الشهور الثلاثة الأولى في غسيل الكلى بحالة صدمة شديدة"، ملفتةً إلى أنها حتى اليوم، لا تستوعب كيف كانت تتم عملية نقلها على كرسي متحرك إلى المستشفى؟ ثم الجلوس لساعات بجوار ماكينة الغسيل.

في هذا الوقت بالتحديد، كانت منال قد أنجبت طفلها الوحيد وبلغ العام الأول من عمره، وكان زوجها الذي شدَّ في بداية مصابها الجلل من أزْرها يهتمُّ أيضًا بالطفل، واستمر على هذه الحال مدة عام.

بعد مُضي عام، رضخ الزوج لضغوطات عائلته وتخلى عن منال، وذلك حين أُضيفت لذريعة مرضها ذريعة أخرى تتعلق بانفصال شقيقها عن زوجته التي هي شقيقة زوجها فيما يعرف محليًّا بـ"زواج البدل".

تضيف منال: "تسبب زواج البدل –إلى جانب المرض- في تدمير حياتي، فمنذ أكثر من ست سنوات وأنا هنا في بيت أهلي".

حتى يومنا هذا، ما تزال منال تعيش من دون طلاقٍ رسمي، ومن دون نفقة، ولم تُقدِم على اللجوء للقانون للحصول على حقوقها؛ لأن عملية "المقايضة" استمرت، إذ مُنعت من المطالبة بحقوقها مقابل ألَّا تطالب زوجة شقيقها بحقوقها أيضًا.

تزيد: "إن كل ما استطعتُ الحصول عليه، هو ورقة من المحكمة تثبت أنني "مهجورة"؛ كي أقضي بها مصالحي الخاصة خلال التعاملات الرسمية"، مردفةً بالقول: "زوجي يتكفل بمصاريف ابنه فقط وبشكل ودي، ولا يصرف قرشًا واحدًا عليَّ رغم أنني قانونيًّا ما أزال على ذِمَّته".

يعمل زوج منال "بائع فاكهة"، وهو كما تقول: "يقاسمني في شيك الشؤون (البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية) الذي نحصل عليه مرتين أو ثلاث سنويًا، حتى إنني في آخر مرة استلمت 250 شيقلًا أي (70$) فقط".

تحاول منال أن تتماسك أمامنا، لكن وصول لؤي من المدرسة، الذي من المفترض أن يمحو كلَّ تعبها وألمها، رسَم الكثير من الألم على وجهها، فهي تتحمل من أجله الكثير من المعاناة. توضِّح لنا أنه كلما كبر زادت استفساراته عن سبب وجودهما في بيت جده، وسبب عدم قدوم والده للعيش معهما، وسبب عدم خروجه مع أبيه وأمه أسوةً بمشوار والده مع زوجته وأبنائه الآخرين.

يضاف لمعاناة "الشابة" السابقة الكثير؛ لكونها تعيش في قطاع غزة الذي يقع تحت حصار إسرائيلي وانقسام داخلي منذ أكثر من 15 عامًا، وهما أمران مُرَّانِ ألقيا بظلالهما على القطاع الصحي خاصة؛ إذ تضطر لشراء أربعة أصناف من الأدوية تُكلِّفها شهريًّا حوالي 250 شيقلًا أي (ما يقارب 70$). تشرح بالقول: "حاولت الاستعانة بالجمعيات والمؤسسات التي تقدم الدعم للمرضى، لكن بعد إرهاقنا بالأوراق التي تُثبت حاجتي لأصناف الدواء لا يتم توفير شيء لي".

 تضرب منال كفًّا بكف ثم تقول: "على الفاضي.. حتى إبَر الدم (حقن إي-بويتين) لا تتوفر دائمًا، نأخذها كل شهر مرة رغم أنه من المفترض أن أُحقن بها في كل عملية غسيل".

ومع انتشار جائحة كورونا، تضاف إلى معاناة منال معاناة إضافية خلال عملية الغسيل الكلوي، بسبب ما يتوجب عليها اتخاذه من سبل الوقاية لخطورة إصابة مرضى الكُلى بالفايروس، على ذلك تعقب: "أخاف أن أجلس على الكرسي قبل تعقيمه، ببساطة قد تجد دمًا ومخلفات علاج في المكان".

ازدادت الأمور سوءًا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير (العاشر من مايو/ آيار 2021) حين عاشت منال لحظات مرعبة، تقول عن تلك الأيام: "كنت أخرج تحت النار حرفيًّا لأصلَ مستشفى دار الشفاء، مرتين في الأسبوع، ولم أتمكن من الاستعانة بالإسعاف بسبب حالة الطوارئ التي استنزفت الطواقم الطبية".

يتحمل والد منال -وهو موظفٌ حكوميٌ متقاعد- مساعدة ابنته، لكن هناك حلمًا كبيرًا قد لا يستطيع تحقيقه، يتعلق بإمكانية زراعة كلية لها تخلصها من معاناتها شبه اليومية التي تعيشها.

ولسوء حظها فحتى احتمالية أن تحظى بتلك الفرصة ضمن برنامج زراعة الكُلَى، الذي أطلقته وزارة الصحة بغزة بالتعاون مع أطباء بريطانيين وأردنيين، غير ورادة، بسبب اشتراط أن يكون المتبرع من درجة القرابة الأولى.

تقول بألم: "مرض الكُلَى وراثي في عائلتي؛ فشقيقي الذي يتطابق معي صحيًّا لا يستطيع التبرع لي، ولا خيار لي إلا زراعة الكُلى في الخارج، وهذا أمر شاقٌّ يتطلب متبرعًا من غير عائلتي".

بكل الأحوال، منال هي واحدة من نساء غزة اللواتي يعانين من وضع صحي مزرٍ، زاد عليه من السوء ما يكفي الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 15 عامًا، وهجمات الاحتلال العسكرية المستمرة على قطاع غزة، بالإضافة إلى نقص الغذاء، والكهرباء، والمستلزمات الطبية، وتدمير البنية التحتية.

هذا الحصار أدى إلى تدنِّي تمويل القطاع الاجتماعي والموارد الصحية، لا سيما ما يتعلق باحتياجات الصحة النفسية للنساء، وقد ازداد الوضع تعقيدًا في ظل جائحة (كوفيد-19) التي ضاعفت من سوء تقديم الخدمات الصحية للنساء والفتيات، كما أدت إجراءات الحجر الصحي والإغلاق وما تبعه من سوء الوضع الاقتصادي، إلى زيادة مخاطر وشدة العنف الاجتماعي الذي تتعرض له النساء والفتيات بغزة.