نجوى غانم.. ملكة نفسها في "قلعة العُزلة"
تاريخ النشر : 2021-09-18 18:09

غزة - شبكة نوى :

في كل زاويةٍ من زوايا منزلها تجد لها قلمًا ودفتر! تحاول أن تحاصر أفكارها أينما كانت تقف قبل أن تذوب في زحمة الحياة. هي بصمتها الخاصة التي تضفي للحياة داخل جدران الإسمنت لونًا مختلفًا لا يشبه أبدًا ذلك اللون الذي تصبغ به البيوت "أدوات الحداثة".. إنها نجوى غانم، الكاتبة الفلسطينية الأولى التي تفوز بزمالة "جان جاك روسو" الألمانية في قطاع غزة.

أن تزاوج امرأة بين أن تكون كاتبةً مبدعةً وزوجةً وأمًا لأربعة أطفال، يعني أنها قد تمضي أيامًا بحثًا عن زاويةٍ خاصة، تختلي بنفسها فيها استجابةً لإلحاح الإلهام "الذي يفرض نفسه دون إذن، وفي أي وقت".

"أنا في الحقيقة لا أملك هذه الزاوية التي تسمح لي بالاسترسال في مشروعي الأدبي، وهذا ما جعلني أعرف نفسي بأنني كاتبة تعاني" تقول لـ "نوى".

الأم مباحة ومستباحة في كل وقت –تبعًا لنجوى- وهذا يجعل معاناة المرأة المبدعة كبيرة، فالرجل يملك نفسه، ووقته، ومكانه، ولديه الحرية الكاملة في اختيار زوايا انفراده بذاته، وتوقيت ذلك أيضًا،  بينما هي لا تملك هذا الترف، "رغم الحاجة المُلحة لمكانٍ تحترم فيه خصوصية الحالة الإبداعية".

جهدٌ مضاعفٌ تبذله كاتبتنا من أجل الموازنة بين مسؤولياتها كزوجة، وأم، وكاتبة مبدعة، حول ذلك تكمل: "الأولوية بالنسبة لي دوري كزوجة وأم، وهذا يجعلني أقتطع وقتًا من يومي خارج الوقت المخصص للعائلة، وعادةً ما يكون بعد خلودهم للنوم، أو أثناء تواجدهم خارج البيت".

لكن غانم كما كل الكُتّاب يباغتها الإلهام الذي لا ينتظر انتهاءها من أعبائها المنزلية فجأة، "وأكثر المرات خلال وقوفي في المطبخ" تعقب، وهذا ما يجعلها تحتفظ بنوتة في كل زاوية من زوايا البيت "لتسجيل رؤوس أقلام حول الأفكار التي تأتي في غير وقتها".

تحزن غانم كثيرًا في كل مرةٍ تهرب منها أفكارها، تقول: "كانت تجتاحني أفكار جارفة أثناء وجودي في غرفة الصف المدرسي، حين كنت معلمةً للغة الإنجليزية، كنتُ ألجأ لربط الفكرة بحدث أو موقف لأتمكن من استعادة الحالة المزاجية والروحية التي جاءتني فيها الفكرة".

لا تُخفي غانم التي تركت التدريس رغبةً منها للتفرغ لمشروعيها الاجتماعي والأدبي، أن أكثر القصص التي كتبتها كانت مستلهمةً من طالباتها.

قبل الشروع بعملية الكتابة، تَعُد "القراءة" طقسًا من طقوسها المهمة. تنزوي غانم جانبًا في محاولةٍ للغوص بين الأوراق والأقلام، وتدخل في مزاج الكتابة بعدها بسلاسة، لتعبّر بين ثنايا الكلام عن تأثرها بمدارس كتّابها الأكثر قربًا إلى القلب: زكريا تامر وأنيس منصور، وينزف حبرها على الورق كلماتٍ تذيب القلب وتأسره.

لكن كيف اكتشفت نجوى  ميولها الأدبية والإبداعية، تضحك قبل أن تجيب: "وُلدت في أسرة يكتب ويقرأ كل من فيها، لم أكن أشعر بأي تمييز عن إخوتي وأخواتي، جميعنا كنا نعشق القراءة والكتابة، وربما كنت الأقل حظًا بينهم، لكن بذرة التميز بدأت تنمو داخلي كنتُ في الصف الثالث الابتدائي، وعبرت بشكل إبداعي حول قضية وطنية، ما جعل المدرسة تلح في معرفة من أين سمعت بهذه الجملة؟ بينما  أنا أحاول أن أدافع ببراءةٍ عن نفسي، وأنا أقول: هي من رأسي".

تتابع: "كانت الجملة نتاج قراءات لعشرات الكتب التي كانت تقع بين يدي في طفولتي، تلاها بعد ذلك عدة مواقف، منها أن مدرّس اللغة العربية في الصف الرابع قال لي حرفيًا: "ذات يوم ستصبحين كاتبة".

لم يكن عقل نجوى الطفولي آنذاك يُدرك هذه النبوءة، لكنها بدت مدركةً لذلك تمامًا على أعتاب الجامعة. فهناك، وأثناء دراستها للأدب الإنجليزي، بدأت تكتب القصة باللغة الإنجليزية، كذلك الشعر، في محاولةٍ مستميتة لإثبات ذاتها بين الطلاب، ونجحت بالفعل في جذب الانتباه لموهبتها الواضحة.

"بدأ الأصدقاء يطلبون مني ترجمة القصص التي أكتبها للعربية، وبالفعل حدث ذلك، وحينها اكتشفت أن اللغة العربية الأم، هي الأجمل في مفرداتها وأوصافها، حيث تضفي قوةً في التعبير لا تتوفر في أي لغة أخرى" تزيد.

انطلقت نجوى فعليًا ككاتبة، عام 2005م، عندما بدأت تنشر ما تكتبه في صحيفة صوت النساء، وفي عام 2011 وجدت الجرأة لإرسال مخطوطة قصصية بعنوان "أجنحة الخوف" لـ مركز "أوغاريت" في رام الله لنشرها، ليأتيها الرد سريعًا: "ستكون ضمن مطبوعات الدار"، وهو ما عدّته نجوى اعترافًا رسميًا لولادتها ككاتبة وقاصة.

تمتلك غانم إصداران باللغة العربية، وقد شاركت في تحرير وترجمة 48 قصة لكتاب وأدباء فلسطينيين، ضمن مشروع كتابٍ سيصدُر قريبًا.

ترى غانم أن ما يميزها عن غيرها من المترجمين للأدب، أنها تترجم بعينٍ ناقدة، بينما المترجم المتخصص تفتقر ترجمته لروح الأديب –على الأغلب، مؤكدةً أن ترجمة النصوص من اللغة العربية إلى الإنجليزية تكشف عن أي خلل في بناء النص "وهذه حقيقة".

نجحت غانم في غرس بذور الإبداع لدى أطفالها، فأنجبت طفلتين مبدعتين تشاركان في العديد من المسابقات، "وقد حققتا إنجازات عظيمة"، مضيفةً: "أعتمد في التربية على رواية القصة، فأنا لا أكاد أمل من تأليف قصص تربوية لتعديل سلوكياتٍ، وتعزيز أخرى لدى أطفالي، وأتمنى لو أنني أتمكن من جمعها في كتابٍ يكون عونًا للأمهات في تربية وتقويم سلوكيات أطفالهن".

وحسبما تلاحظ غانم، فإن واقع الثقافة في قطاع غزة غارق بإصدارات أدبية "حبلى بالأخطاء في الشكل والمضمون"، معلقةً على ذلك بقولها: "لا يوجد رقيب أو متخصص يجيز أو يمنع إصدارها، بينما لا تهتم بعض دور النشر سوى بعدد وكم الإصدارات التي تخرج عنها دون أي ملاحظات لتجويد العمل".

ووفق غانم، فإن الإشكالية ذات وجهين "من ناحية يفتقر القطاع لمؤسسات تستقطب الموهوبين وتسهم في تطوير مواهبهم، ومن ناحيةٍ ثانية، فإننا مجتمع لا يتقبل النقد، رغم أن النقد الأدبي أساسي في تطوير الكاتب وتميزه".

وفيما يتعلق بالترجمة ترى غانم أن المؤسسات لا تقوم بدورها المطلوب في الترجمة الأدبية، رغم الكثير من المطالبات بهذا الخصوص، نظرًا لأهمية الكتابة بلغاتٍ مختلفة، لإيصال الصوت الفلسطيني للعالم أجمع.

وبالعودة لزمالة مؤسسة "جان جاك روسو" تقول غانم: "هي عبارة عن منحة للكُتّاب في مناطق الصراع في العالم، انطلقت عام 2011م، بحيث يتم اختيار 7 كتّاب لدعم مشاريعهم الأدبية بنوعين من المنح،  ماديًا، بتمويل إنتاج المشاريع الأدبية، أو عبر زمالة المؤسسة "وهي توفر منحة كاملة لمدة أربعة شهور في قلعة العزلة بألمانيا، بالإضافة إلى تمويل المنتج الأدبي".

تطمح غانم لأن تمتلك مشروع ترجمة أدبي خاص بها، تكون فيه شريكة في النضال بطريقتها الخاصة، وتساهم من خلاله في فضح ممارسات الاحتلال أدبيًا في المحافل الدولية، عبر توثيق كافة الأحداث والمتغيرات التي تمر بها القضية الفلسطينية.