كرسيٌ متحرّك "ذاتي التحكم" لطريحي الفراش بغزة
تاريخ النشر : 2021-09-12 13:54

غزة:

هل خطر في بالك يومًا أن يتمكن طريحو الفِراش من التحرّك بمفردهم في البيت؟ أن يخرجوا إلى الشرفة، أو يذهبوا إلى المرحاض، أو أن ينزلوا إلى الحديقة دون مساعدة أحد؟! هذا بالضبط ما أصبح واقعًا، بجهود ثلاثةٍ من شباب غزة.

مرح الضميري خريجة تخصص العلاج الطبيعي، ومحمود أبو عواد مهندس الميكانيكا، ومهند عبد العال مهندس المعدّات الطبية، هم أعضاء فريق Myotech "ميو تيك"، الحاصل على المركز الأول في أكاديمية القدرات التكنولوجية، التي تهدف إلى تقديم الخدمات لذوي وذوات الإعاقة، ضمن مشروع "ICARE" الذي تنفذه جامعتا الأزهر، والإسلامية، والكلية الجامعية، بتمويل من المفوضية الأوروبي.

الثلاثة نجحوا بتصميم جهازٍ يحل مشكلة تنقل طريحي الفراش، عبر كرسي متحرّك، يتم تثبيته بجسد المريض وهو جالسٌ على السرير، ليمكّنه من الانتقال براحة إلى أي مكان يريد، "بالتالي يزيد من استقلاليته، ويحفظ خصوصيته، ويساعد في دعم استقراره النفسي لشعوره بأنه قادر على تأدية واجباته بنفسه".

الفكرة لمعت، عندما لاحظ أعضاء الفريق –بحكم احتكاكهم الدائم بالمرضى- المعاناة التي يعيشها طريحو الفراش، أصحاب الأمراض من كبار السن، أو ذوو الإعاقة، فقرروا حينها مد يد المساعدة، وهنا بدأت الحكاية.

مرح الضميري، هي خريجة تخصص العلاج الطبيعي من جامعة الأزهر، كانت لها تجربة شخصية مع هذه المشكلة، فجدّها المتوفى منذ عدة سنوات، عانى كثيرًا، ولم يكن قادرًا على التحرّك سوى بمساعدة أفراد الأسرة، ما كان يُشعره بالحرج ويتسبب له بأذى نفسي.

تقول مرح: "عايشت هذه التجربة أيضًا مع الكثير من المريضات والمرضى، ولاحظت معاناتهم النفسية نتيجة حاجتهم إلى المساعدة، وهنا وضعنا –كفريق- هدفًا أساسيًا نصب أعيننا، وهو تقديم منتج يسهم في جعلهم أكثر استقلالية، واعتمادًا على النفس".

بالعودة قليلًا إلى حاضنة ICARE التي تضم طلبة من الجامعات الثلاثة، سابقة الذكر، فقد تقدّم لها هذا العام 60 طالبًا وطالبة، وبعد المرحلة الأولى تأهّل 35 منهم، وقد جرى تقسيمهم إلى عشرة مجموعات وفقًا لتنوّع التخصصات وتقارب المقترحات الفردية التي قدموها، وهكذا تشكّل فريق مرح ومحمود ومهند "Myotech".

المهندس محمود أبو عودة، طالب هندسة الميكانيكا في الجامعة الإسلامية، أضاف على حديث مرح قوله: "في البداية كانت فكرتي الفردية تقوم على أساس تصميم كرسي متحرك يستخدمه طريحو الفراش، لكن بعد مناقشة التفاصيل مع الفريق، وجدت أنه سيكون غير مجدٍ من الناحية المادية، فهو سيكلف 1200 دولارًا، غير أنه ضخم التصميم".

وهكذا اكتشف كلٌ منا أن بإمكان مقترحه أن يكتمل "أو أن يصبح أفضل" في حالة اجتمع مع مقترحات الآخرين، "تناقشنا كثيرًا، ثم وصلنا إلى هذا المقترح الأكثر عملية وجدوى" يتابع.

منذ شارك أبو عودة في الأكاديمية، سعى لأن يقدم شيئًا يخدم هذه الشريحة العريضة من المرضى، بالتعاون مع تخصصات أخرى. وحين تواءمت فكرته مع أفكار باقي أعضاء الفريق، فإنه سرعان ما بدأ بتطويرها برفقتهم "خروجًا عن المألوف، وخدمةً لأصحاب الشأن".

أما المهندس مهند عبد العال، فيقول بدوره: "المهندسون حلّالو مشاكل، هذه هي مهمتنا الحقيقية، أن نجد حلولًا للمشكلات التي يعاني منها الناس، بالشكل الخلّاق، وبعيدًا عن التقليدية".

الكراسي المتوفرة في السوق المحلي –تبعًا لعبد العال- مناسبة جدًا لفئة المرضى، لكنها بحاجة إلى مساندة من طرف آخر، وهنا كان الاختلاف، "نحن فكرنا بمنتج يؤهل المريض للاعتماد على نفسه بشكل كامل" يقول.

ليس هذا فحسب؛ بل زود الفريق الكرسي وفقًا للتصميم بمقابض يستخدمها من يستطيع تحريك يديه، بالتالي تزيد من جودة حياته، وتمنحه المزيد من المساحة للاعتماد على نفسه أيضًا، "إذ بوسعه دفعها للأمام، والخلف، والتحرّك بالكرسي حيثما شاء، بالإضافة إلى عصا لتعليق المحلول".

مرح، وبحكم تخصصها، كانت تدرك جيدًا الاحتياجات المطلوبة، بالتالي ساهمت في تحديد الغرض.

محمود ومهند اختصّا أكثر في تصميم الجهاز باستخدام قطع متوفرة في السوق المحلي، أما مرح فكان عليها مراقبة كل التفاصيل، "كيف نمنع إصابة المرضى بالتقرحات؟ كيف يمكن أن يتحرك الكرسي بأريحية، ماذا يحتاج الكرسي من جيوب أو عواميد؟ ما الغرض الذي يمكن أن يزيد في خدمة استقلالية المريض نفسه، وغير ذلك من التفاصيل.

"إن تكامل التخصصات الثلاثة، أنتج كرسيًا بمواصفات جودة عالية" تعلق مرح، وتكمل: "من غير المألوف هنا هو عمل تخصصاتنا الثلاثة سويًا، وهذا كان نافعًا للغاية"، ليعقّب مهند: "الأصل أن كل تخصص ساهم في إنتاج هذا الكرسي، بعد أن تمكن من تحديد الاحتياج المطلوب بالضبط، ومواصفات هذا الاحتياج، ومدى نفعه، وهذا ما أظن أنه سينفع جدًا في المستقبل، عندما نوسع مجال التعامل مع تخصصات أخرى في مرات قادمة".

الأفكار في عقول الشباب الثلاثة ما زالت كبيرة وكثيرة، وهم يأملون بعد البحث عن ممول لمشروعهم الذي يخدم الكثير من المرضى والمسنين، أن يفتتحوا شركة صغيرة تحمل ذات اسم الفريق، ليعملوا من خلالها على تطبيق باقي الأفكار التي تزور عقولهم خلال جلسات العصف الذهني.

أما عن تسمية الفريق "ميو تيك"، فكان اقتراحًا من مرح، التي أخذت الاسم من كلمة "ميو" التي تعني "عضلة" باللغة اللاتينية، و"تيك"، من تكنولوجيا، التي يُقصد بها تكنولوجيا العضلات.

ويؤمن الشبان الثلاثة، أن كل طالبة وطالبة بوسعهم إن زادوا معارفهم واستثمروا أوقاتهم بشكل جيد أن يساهموا في ابتكار ما هو جديد، "لكن الأمر بحاجة إلى إعمال العقل، وليس الاعتماد فقط على ما ندرسه في الجامعات" على حد تعبيرهم، فالجامعة تعطي علمًا مهمًا، لكن الجهد يجب أن يبذله الطالب، "والأساتذة يشجعون الابتكار، وحاضنات الأفكار موجودة".