"امتياز" لـ "أم وسيم" وهدف ذهبي في مرمى العُمر
تاريخ النشر : 2021-08-06 11:55

سبعة عشر عامًا مضت منذ أغلق الحلم أبوابه لينقلها إلى واقعٍ مختلف، أضحت فيه زوجةً وأمًا. نيفين شبير (35 عامًا) من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، عادت –هذا العام- إلى كتبها وأقلامها، وغرقت بين سطور منهاج الثانوية العامة، لتُفيق على نتيجةٍ مبهرة.. 94%.

سبعة عشر عامًا لم يغادرها خلالها حلم العودة – أو لعلها لم تغادره- كيف لا؟ وقد كانت "المتميزة" بين المنصتين إلى شرح المعلمات آنذاك.. تمامًا كما الوردة الجورية الحمراء بين زهر الياسمين.

في هذا العام، وبعد شهرين من بدء العام الدراسي، والتحاق ابنتها بصفوف الثانوية العامة، قررت خوض التجربة، فعاشت تلك التفاصيل التي تحبها.. بحذافيرها.

نيفين شبير (35 عامًا) من مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، لم تقتنع بالتسجيل للدراسة المنزلية، وإنما سجلت في قسم الدراسات، لتحمل حقيبتها المدرسية، أربعة أيام أسبوعيًا بسبب إجراءات الوقاية من "كورونا"، وتمارس دور الطالبة، الذي حرمت منه بسبب الزواج والإنجاب سنوات طويلة.

ليس هذا فحسب. تقول أم وسيم الأم لأربعة من الأبناء: "كنت أرافق ابنتي للدروس في المواد الصعبة مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، كل هذا كان يحتاج مني وقتًا وجهدًا إضافيًا، كوني ربة أسرة، وزوجة، وأم، ولدي مسؤوليات اجتماعية وأسرية لا يمكنني تجاهلها".

تجربة مميزة عايشتها الأم الطالبة، وهي تمارس الدورين معًا، فتارةً تقدم النصائح لابنتها، وتارة تساعدها في شرح بعض النقاط غير المفهومة، بينما تحاول أن تنهي أعمال المنزل باكرًا لتتفرغ بعد ذلك للدوام المدرسي، ومتابعة المجموعات الدراسية.

نيفين الأم حصلت على الامتياز، بمعدل 94% في الفرع الأدبي، بينما حصلت ابنتها على معدل 60%. عن تلك اللحظات الحرجة والفيصلية في حياتهما، تضيف: "بمجرد أن ظهرت نتيجة ابنتي، طلبت من الجميع أن يبدأوا الاحتفال دون انتظار نتيجتي، كان دوري كأم في هذه اللحظة طاغيًا على مشاعري الخاصة، سيما وأنني كنت أدرك جيدًا أنني سأحصل على معدل مرتفع".

تواصل: "صحيحٌ أن ابنتي في البداية صُدمت من نتيجتها، إلا أن الفرحة بالنجاح –نجاحنا معًا- طغت على كل حزن آنذاك".

تتدخل الابنة فتكمل: "والدتي هي قدوتي في هذه الحياة، وفرحتي بها لا توصف، وتميزها بعد كل هذا الانقطاع، أعطاني دافعًا أكبر كي أحسن من معدلي خلال الفترة القادمة، لألتحق بالكلية التي أتمناها".

وتعود الأم لتحدث "نوى" بفخر: "كل عام، ويوم نتائج الثانوية العامة، ينتابني شعور بالحنين، ورغبة عارمة بالعودة إلى مقاعد الدراسة، هكذا حتى قررت أن لا يبقى الأمر حلمًا طي الكتمان".

لم تلتفت أم وسيم إلى بعض اللمزات المحبطة، التي حاولت ثنيها عن إكمال دراستها، تعلق بالقول: "كل ما كان يهمني أن أسرتي وعائلتي دعمتني وشجعتني على تحقيق حلمي الذي لم يغب يومًا عن خاطري".

تطمح نيفين التي ساندتها عائلتها، لإكمال دراستها الجامعية، وما يليها من دراسات عليا، إذ تؤمن بأن كل الصعوبات يمكن أن تهون ما دام لدى الإنسان هدف (..) يمكنه بالإصرار والعزيمة اجتياز أي عراقيل يمكن أن تعترض طريق نجاحه".

وتكمل: "كنت خلال السنوات الماضية، أكرس كل وقتي لأطفالي، ومتابعة دراستهم خطوة بخطوة، وهذا ساعدني بـأن أتابع بسهولة مرحلة التوجيهي، لأنني لم أبتعد يومًا عن التعليم، طوال السنوات الماضية".

لم تنسَ أم وسيم شكر أسرتها الصغيرة، زوجها الذي تفهّم حلمها ورغبتها، بل وأمّن لها كل ما تحتاجه من دروس خصوصية، وصغيرتها التي لم تتجاوز 14 عامًا من عمرها، وحملت جزءًا كبيرًا من مسؤولية أعمال البيت ومتابعة إخوتها الأصغر منها سنًا".

وكما كل الطلبة، بل أكثر، تأثرت نيفين بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/ آيار الماضي، فهي رغم خوفها، كان عليها أن تؤدي دور الأم في بث روح الاطمئنان لدى أطفالها.

"هذا ناهيك عن نزوح بعض العائلات من الأقارب لمنزلي أثناء العدوان، وهو الأمر الذي جعل تركيزي خلال تلك الفترة أقرب إلى المعدوم" تعقب.

وتختم: "ما ساعدني على تحصيل هذا المعدل، هو ترتيبي للأولويات التي كان هذا العام، وأهمها الحصول على شهادة الثانوية العامة، كنتُ على قناعة بأن كل شيء يمكن تأجيله، لكن شهادتي اليوم أصبحت استحقاق بعد كل هذه السنوات من الانقطاع".