رام الله:
يرى عاملون في مؤسسات تعنى بالدفاع عن حقوق الأطفال، والعمل الأهلي الفلسطيني "أن الاحتلال، وباقتحامه المؤسسات الأهلية، يحاول إرسال رسائل تهديد ضمن حملةٍ منسَّقٍ لها للتشكيك في مصداقية عملها، وذلك من أجل تجفيف منابع التمويل".
وفي التفاصيل، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية، فجر الخميس 29 مايو/ آيار الماضي، مقر الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية. وبالتزامن، طال اقتحامٌ آخر مكاتب مركز "بيسان" للبحوث التنموية، في رام الله.
الجنود تعمدوا إبقاء كاميرات المراقبة قيد العمل، لتأكيد اقتحامهم
مسؤولو الحركة العالمية، تحدثوا عن خلعٍ لبوابة المقر، واستيلاءٍ على أجهزة حاسوب، "بل إن الجنود تعمدوا إبقاء كاميرات المراقبة قيد العمل، لتأكيد اقتحامهم" يقول أحدهم.
وعدّ مدير فرع فلسطين في الحركة، المحامي خالد قزمار، الاقتحام، رسالة تهديدٍ جديدة للحركة على وجه الخصوص، "إذ تعرضت الحركة خلال الأعوام الأخيرة، لحملة تحريض من قبل مؤسسات صهيونية بهدف التشكيك في مصداقية عملها، ومحاولة تجفيف مصادر تمويلها".
ويجزم قزمار بأن اقتحام المؤسسة ومصادرة ملفاتها، يأتي في ضوء نشاطها المتصاعد في المناصرة على الصعيد الدولي، داعيًا إلى المضي في الضغط الدولي، لمساءلة دولة الاحتلال عن الجرائم التي ترتكبها بحق الأطفال الفلسطينيين، وآخرها قتل الطفل محمد العلامي (11 عامًا).
شهد عمل المؤسسة نقلة نوعية منذ عام 2014، إذ انتقل من الدفاع القانوني عن الأطفال في سجون الاحتلال، إلى توثيق الانتهاكات بحقهم
وشهد عمل المؤسسة (فرع فلسطين) نقلة نوعية منذ عام 2014، إذ انتقل من الدفاع القانوني عن الأطفال في سجون الاحتلال، إلى توثيق الانتهاكات بحقهم بالشراكة مع المؤسسات الدولية ومجموعات الضغط عالميًا، والمطالبة بمحاسبة "إسرائيل" على جرائم القتل والاعتقال والتعذيب التي ترتكبها بحق الأطفال، وتشريدهم من مساكنهم.
وفي هذا الإطار، أسست الحركة فريق عملٍ في واشنطن ونيويورك، استطاع وضع الانتهاكات الإسرائيلية على طاولة الكونغرس، كما أسست "لوبي" يضم نحو 40 برلمانيًا أمريكيًا يتعاونون مع الفريق الفلسطيني، ويقدمون سنويًا مشروع قانون لمنع "إسرائيل" من استخدام الدعم الأمريكي ذريعةً لاستهداف الأطفال الفلسطينيين، وتعذيبهم.
وانتقلت الحركة مؤخرًا أيضًا، إلى المطالبة بوقف أي دعمٍ تُساهم "إسرائيل" من خلاله بمصادرة الأراضي، والمساكن الفلسطينية، وتهجير الأطفال، "وهذا النشاط داخل الكونغرس، هو ما أقلق حكومة الاحتلال" يعقّب قزمار.
استهداف البحث العلمي
وبينما كان يتفقد آثار اقتحام مركز "بيسان"، أكد مديره أُبَي عابودي أن المؤسسة "تنموية"، وتنتج سنويًّا أبحاثًا عديدة حول آثار الاحتلال على الفلسطينيين، وتتبنّى نماذج تنموية لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية.
ويربط المركز الباحثين الفلسطينيين الشباب بعلماء حول العالم، لتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة تركز على انتهاكات الاحتلال، خاصةً في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والبيئية.
ينفذ المركز حاليًا دراسةً حول تأثير الاحتلال على البحث العلمي في فلسطين
وينفذ المركز حاليًا دراسةً حول تأثير الاحتلال على البحث العلمي في فلسطين، بتعمده ملاحقة الباحثين، واعتقال العلماء، وأساتذة الجامعات، والطلبة.
ويرى عابودي، أن استهداف "بيسان" تصاعد بعد انفتاح المركز على جامعات عالمية كجامعة "أكسفورد" في بريطانيا، وجامعة "كورنيل" بنيويورك، ومعهد "ماساتشوستس" للتقنية".
تحريض إسرائيلي
وتعتقل سلطات الاحتلال شذى عودة، مديرة اتحاد لجان العمل الصحي، ورئيسة شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، منذ 7 يوليو الماضي.
وإلى جانب عودة، تعتقل المدير المالي للجان العمل الصحي وليد أبو راس، ومحاسبها تيسير أبو شلبك، والموظفة باللجان في بيت ساحور، خواني رشماوي.
وكانت عودة قد صرحت بعد اقتحام مقر المؤسسة في يونيو/ حزيران الماضي بالقول: "إن الهجمة الإسرائيلية تأتي في سياق موجةٍ من التحريض على العمل الأهلي الفلسطيني".
ينشط اتحاد لجان العمل الصحي، في تقديم خدمات صحية ورعاية أولية متنقلة في مناطق الأغوار، وفي أكثر من 30 تجمعًا
وينشط اتحاد لجان العمل الصحي، في تقديم خدمات صحية ورعاية أولية متنقلة في مناطق الأغوار، وفي أكثر من 30 تجمعًا بدويًا مهددًا بالاقتلاع والاستيطان جنوب الخليل.
وقد تعرضت اللجان للتحريض -بحسب تصريح عودة- إثر تقارير "مرصد المؤسسات الأهلية" الإسرائيلي، الذي يتتبع نشاط المؤسسات الفلسطينية ويعمل على محاصرة تمويلها، إذ قالت: "الاحتلال يحاول تقديم مسوّغات قانونية للممولين من خلال تلفيق تُهم، كعلاقة المؤسسات الفلسطينية بأنشطة الفصائل".
وعلى مدار سنوات، أغلقت سلطات الاحتلال 43 مؤسسة فلسطينية في القدس وحدها، وأعلنتها "كيانات غير مشروعة"، وسنّت قوانين في "الكنيست" لتجريم عمل المؤسسات الفلسطينية "باعتبارها أعمال إرهابية".
يزعم "مرصد المؤسسات الأهلية الإسرائيلي"، أن المؤسسات غير الحكومية الفلسطينية، تقوم "بتضخيم أعداد الضحايا المدنيين
وفي موضوعه الرئيس على صفحته الرسمية، يزعم "مرصد المؤسسات الأهلية الإسرائيلي"، أن المؤسسات غير الحكومية الفلسطينية، تقوم "بتضخيم أعداد الضحايا المدنيين"، ضمن نشاطها لتوثيق جرائم الحرب.
وادعي توثيق الشهداء من عناصر الفصائل خلال العدوان الأخير على غزة (أيار/مايو الماضي)، كـ"مدنيين".
وفي إطار التحريض عليها، يزعم المرصد أن منصات المؤسسات الأهلية الفلسطينية، يتم استغلالها إعلاميًا كما حدث عند نشر "قصة الصفحة الأولى في نيويورك تايمز، مع صور أطفال غزة القتلى".
وفي زاويةٍ أخرى، تحدث عن "جهود المرصد الإسرائيلي" التي نجحت في وقف تمويلٍ بقيمة ثمانية ملايين دولار، كانت ستتلقاه لجان العمل الزراعي الفلسطينية، التي تركز معظم مشاريعها في المناطق المهددة بالمصادرة، وفي الأغوار خاصة.
وحسب المصادر الرسمية، يوجد (4616) مؤسسة مجتمع مدني فلسطينية، تعمل 42% منها في الضفة و31% في قطاع غزة، و11% في القدس، و14% خارج فلسطين، و2% في الأراضي المحتلة عام 1948.