البحر.. كنز الفلسطينيين في غزّة
تاريخ النشر : 2021-06-28 14:37

غزة:

"ميل على بلدي لتشوف كيف البحر بيضحكلك" كلمات من أغنية فلسطينية، يطلب عبرها سكّان قطاع غزّة من متابعيهم في وسائل التواصل الاجتماعي أن يزوروا بحر القطاع ليضحك في وجوههم، وهل بحر غزّة يضحك؟ سؤال وجهناه لهم.

سمر وإيمان وأحمد وهيثم، شبان يلتقطون صور البحر بشكل يومي، من المكان ذاته، فلا ملل من الصور والمقاطع لأن كل صورة تحمل قصّة، لأن الأمواج تتجدد ولأنهم في كل يوم يكتشفون جماله أكثر، فليس لهم سواه، وهو ليس له سوى أبنائه. – فنحن أبناء وبنات البحر – يتفقون.

تقول سمر الحاج ٢٧ عاماً، إنها لا تجد مكاناً تفرغّ فيه طاقتها السلبية غير البحر، لا تجد مكاناً يستوعب طاقتها الإيجابية أحياناً غيره أيضاً.

ليست غزّة مكاناً آمناً للعيش، لكن البحر ربّما يكون الصديق الأمثل لسماع أنين الناجين من العدوان، المحاصرين منذ ١٥ عاماً كما يطلقون على أنفسهم، يسمعهم في الحزن وفي الفرح وفي الاكتئاب وعندما يشكون حياتهم تحت الاحتلال.

تضيف الشابة "لهذا البحر مكانة استثنائية في قلوبنا كحياتنا تماماً، فأي شخص شهد هول الحروب ووقعها ولا زال يتنفس بالتأكيد هو حالة استثنائية".

كذلك يقول أحمد وإيمان اللذين قررا مقاطعة صديقتهما بالإشارة إلى "لو فش بحر بغزة إحنا بنموت، إحنا أصلاً مش عايشين، لكنه هو الأكسجين بالنسبة لنا".

ويتابع أحمد أنه يأتي يومياً برفقة أصحابه، يحتسون القهوة ويتأملون إلى البحر، تمرّ الساعات وأيضاً السنوات وهم على نفس الطاولة. لا شيء يتغير إلا للأسوأ باستثناء البحر، أصيل بصحبته، ملوّث ببارود الاحتلال الذي تصبه بوارجه البحرية لإكراه "الغزاوية" به من دون جدوى، فهم يقدّرون احتلاله ومحاولات انتزاعه كونه أهم داعم وحافز للصمود أمام الحصار وكل محاولات استهداف الفلسطينيين هنا.

وبحسب هيثم الذي أخذ يتحدث في منحى آخر، أن يوم الجمعة على اعتبار أنه إجازة رسمية، تنطلق فيه آلاف العائلات الفلسطينية إلى شاطئ البحر، لوهلة تظن عزيزي القارئ/ة أن لا أحد في بيته، ينطلقون بـ "ترامس" الشاي ودلات القهوة وبعض ساندويشات الزعتر والدُقّة الغزاوية وأحد أصناف الحلوى المنزلية مثل "البسبوسة".

يتجمعون على الشاطئ ويتبادلون المالح والحلو، يتعرفون على بعضهم البعض ويندمج أطفالهم في البحر كأنهم أصدقاء منذ سنوات، فتعج وسائل الإعلام الدولية بهذه المشاهد وكأنها ليست طبيعية في بيئة يهرب بها الناس من انقطاع الكهرباء والحر بمنازلهم، فصيف غزة قاسٍ ومؤلم بكل مكان غير البحر الذي يذوّب الهموم – يعلق -.

بضع ساعات، كفيلة بتحسين نفسية الناس قبل العودة إلى طبيعة الحياة "القاتلة" يكمل الشاب، مشيراً إلى أصدقاء آخرين يلعبون كرة القدم أمام الشاطئ، شباب بأعمارهم لكنّهم شيّاب برؤوسهم، فهل ما مرّ علينا قليل؟ وهل يتحمله أحد غيرنا؟ يتساءل.

وأما عن سؤالنا، يتفق الشبان والشابات أن بحر غزة يضحك، يضحك بناسه الطيبين، يضحك بابتساماتهم وصرخات فرحهم، يتألم لوجعهم لكنه يحاول إفراغ الصبر بقلوبهم. يعود ليضحك عندما يرمون بهمومهم إلى أحضانه. يضحك عندما يبتلعها وعندما يدفع برذاذه على وجوههم ثم يهتفون له بفرح "الله ما أحلى بحرك يا غزة".