الضفة تشتعل.. لا لقتل المعارضين
تاريخ النشر : 2021-06-27 14:52

رام الله:

أربع أيام مرّت على قتل عناصر أمنية فلسطينية للناشط السياسي الفلسطيني المعارض نزار بنات، والذي كان مرشحًا على قائمة الحرية والكرامة لانتخابات المجلس التشريعي التي تأجّلت.

نزار بنات "44 عامًا" المعروف بانتقاده اللاذع للسلطة الفلسطينية، دون أن يُعرف له انتماء سياسي، تعرّض في المرحلة الماضية للاعتقال السياسي عدة مرّات على خلفية الفيديوهات التي يبثها على صفحته على الفيس بوك، والتي تحظى بآلاف المتابعات.

تداعيات الجريمة تواصلت منذ اليوم الأول، من خلال اعتصامات مستمرة في شوارع مدينة رام الله، شهدت اعتداءات القوات الأمنية على المتظاهرين والمتظاهرات وسحلهم في الشوارع وضرب لصحافيين وصحافيات ومصادرة هواتفهم النقّالة، في مشهد يوحي بأن الأمور آخذة بالتدهور.

الصحافية الفلسطينية جيهان عوض، كانت واحدة ممن تعرضوا للاعتداءات، بعد أن أدلت بشهادتها إلى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، قالت لنوى :"المتظاهرون حملوا بوضوح شعارات ويافطات مطالِبة برحيل الرئيس والحكومة الفلسطينية ووقف التنسيق الأمني ووقف الاعتداءات على النسا على خلفية حرية التعبير، ومنددة باغتيال نزار بنات ومطالبة بالقصاص من الفاعلين".

لكن مع جرى مع الصحافيين والصحافيات كان صادمًا؛ فرغم ارتدائهم الزي الذي يبرز شخصيتهم، وحتى واقيات الرصاص، لكنهم تعرضوا لاعتداءات مباشرة من قبل قوى الأمن التي كانت تتخفى بالزي المدني وتهاجم الجموع.

جيهان عوض التي تعمل مراسلة لقناة الجزيرة مباشر من الضفة، قالت إنها وبمجرد وصولها مكان المظاهرات قال لها رجال أمن يلبسون الزي المدني "اليوم الضرب ع الراس مش على الرجلين"، لتجيبهم "أنا صحافية ليش بتحكيلي هيك".

حسب عوض فقد كان رجال الأمن الذي يرتدون الزي الأسود تظهر أسلحتهم تحت ملابسهم، وقامت بتصويرهم عبر هاتفها النقّال، وإثر المواجهات تفرّقت عن مصور القناة الذي يعمل معها، وتعرّضت هي ذاتها لمحاولة مصادرة هاتفها، لولا أن انتبه من يهاجمها إلى أنها على الهواء، لكن -والقول لجيهان- حجم الإصابات بين الصحافيين والصحافيات كبير، والاعتداءات كانت مباشرة.

أصيبت خلال المواجهات الصحافية فيحاء خنفر إثر الاعتداء عليها بالضرب حدّ الإغماء، وأصيبت الصحافية شذى حماد بقنبلة غاز في الوجه، ونجلاء زيتون تم ضربها بالهراوات وتظهر آثار الضرب المرعبة، وتم مصادرة العديد من هواتف الصحافيين والصحافيين، أما جيهان فقد تعرضت هي أيضًا للاختناق بسبب قنابل الغاز وتم إسعافها.

وتختم جيهان :"مع كل هذا القمع والسحل الذي جرى، لكن هناك دعوات أخرى لفعاليات منددة باغتيال نزار بنات هذا اليوم، فرسالة الناس باتت واضحة، يريدون تغيير كل هذا الواقع".

ورغم القمع الذي مارسته الأجهزة الأمنية خلال الأيام الماضية؛ لكن فعاليات وطنية وشبابية دعت صباح اليوم الأحد إلى مسيرات جماهيرية تنديدًا بالقمع وبجريمة اغتيال المعارض السياسي بنات، ما يعني أن الصمت لن يأخذ طريقه نحو الرافضين لحالة القمع ولقتل المعارضين.

المحللة السياسية أماني القرم تعرب عن أسفها لكل ما جرى، مؤكدة إن الأحداث المؤسفة بدأت منذ صفقة اللقاحات منتهي الصلاحية، وهي -أي الأحداث- لا تليق بالكينونة الفلسطينية بعد الإنجاز الذي تحقق إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وصمود أهالي الشيخ جراح والالتحام الشعبي في الداخل المحتل، ومحاولة كسر العزلة الدولية التي فُرضت علينا لسنوات.

وتجزم القرم إن ما يجري يدّل على أن ثمة متنفذين في السلطة الفلسطينية يريدون إسكات هذا الشعب، وتابعت:"أنا مع السلطة الفلسطينية ومؤسساتها والكينونة التي تحققت، هناك أخطاء بلا شك لكن المعارضة والاختلاف في الرأي حق لكل فلسطيني، ومحاسبة الأفراد تكون وفقًا للقانون، أما قتل المعارضين فهذا لا يليق بشعبنا ونحن نتحدث عن أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال يتعرضون للانتهاكات، فكيف لنا أن نُسكت الصوت المعارض".

ومع تخوّف الكثيرين لأن يتحوّل قتل المعارضين إلى نهجٍ، تعقّب القرم :"أرجو ألا يكون نهجًا، فتحقيقات اللجنة التي أقرّتها السلطة الفلسطينية لم تصدر بعد"، لكن القرم في ذات الوقت تعترض على محاول تدويل القضية، فطالما ناضلنا من أجل تدويل قضايانا ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعليه فالأولى أن يتم محاسبة الجناة داخليًا وألا يتم استغلال هذا الخطأ الكبير من قِبل أحزاب لها سجلّ في انتهاكات حقوق الإنسان من أجل هدم ما تم إنجازه خلال الشهرين الماضيين.

وخلافًا لمن يرون أن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني الآن بات أصعب، ترى القرم العكس، فربما دماء نزار تكون كرة الثلج التي تتدحرج وتزيد حتى تُسمع المسؤولين وأصحاب القرار أن إصلاح النظام السياسي مطلب شعبي، مضيفة إن ما جرى من هبّة شعبية كبيرة يمكن أن تكون رادعًا لعدم تكرار ما حدث مع نزار.

الكاتبة والمحللة السياسية ريما نزال قالت في مقال لها اليوم إنه من غير مقبول على الحكومة الثامنة عشرة تشكيلها لجنة للتحقيق في قضية الشهيد «نزار بنات» المروعة، كوْن الحكومة متورطة في القضية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر مسؤوليتها عن الأجهزة الأمنية، التي اقتحمت وسحلت واعتقلت وضربت بما أفضى إلى وفاة غير طبيعية. ومرفوض التعامل مع القضية بشكلية والرهان على الوقت بهدف امتصاص الغضب الشعبي، كبديل للاستجابة لنبض الشارع ومطالبه برحيل الحكومة والحفاظ على أمن المجتمع والسلم الأهلي.
قضية «نزار بنات» -وفقًا لمقال نزّال- تحولت إلى قضية رأي عام، لا يمكن المرور عنها قبل عودة الحق الخاص والعام لأصحابه، حق عائلة الشهيد وحق الرأي العام، ولن يعود الحق العام والخاص إلّا بمحاسبة ومساءلة المسؤولين، كلُ بحجم مسؤوليته، وإعادة الاعتبار لوظيفة الأجهزة الأمنية ورؤيتها ورسالتها، بما هي حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه الأساسية وتطبيق القوانين المقرة وليس استباحتها.