ليلة من الجحيم عاشها سكّان شمال قطاع غزة
تاريخ النشر : 2021-05-14 21:31

بيت حانون:

"كانت ليلة من الجحيم، حين جربنا عدوان 2014 اعتقدنا أنه الأشد مرارة، لكن ليلة أمس جعلتنا نعيش تجارب أسوأ".

بهذه الكلمات وصفت الشابة بثينة حجازي "31 عامًا" من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع العدوان الإسرائيلي على محافظة شمال قطاع غزة ليلة أمس، والذي استخدم فيه الاحتلال الإسرائيلي عشرات الطائرات الحربية التي ألقت نحو 450 صاروخًا على منازل المواطنين وممتلكاتهم، في منطقة لا تتجاوز مساحتها 62 كم.

ويتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة جنوب فلسطين منذ خمسة، مخلّفًا 119 شهيدًا بينهم 31 طفلًا و 19 سيدة ورجل مسّن، ومئات الإصابات إضافة إلى تدمير المئات من منازل المواطنين وممتلكاتهم والمرافق العامة والمؤسسات الحكومية.

تقول بثينة وهي أم لطفلين (هدلاء 10 سنوات ومحمد 8 سنوات):"منذ بداية الأحداث والقصف مستمر، لكن الليلة الماضية والتي سبقتها كانت الأعنف والأشد رعبًا بالنسبة للناس ولأطفالي الذين أصابهم الفزع لأول مرة من صوت القصف، فهم اعتادوا ألا يخافوا صوته كوننا في منطقة تتعرض بشكل مستمر للعدوان الإسرائيلي".

اقرأ/ي أيضًا: عيد غزة المؤجل ..لا البال هادئ ولا الحال هانىء

سحبت بثينة نفسًا عميقًا وهي تروي ما حدث معهم الليلة، حين اضطر شقيق زوجها الذي يسكن في طابق علوي ببنايتهم إلى النزول لشقّتهم مع زوجته وأطفاله، أملًا أن تكون "اللمة" أفضل نفسيًا.

تكمل:"استيقظ أطفالي فزعين من شدة الصوت، كانوا يرعشوا بشدّة، حاولت أنا ووالدهم تهدئتهم وإقناعهم أن القصف بعيد دون جدوى، ومع انقطاع الكهرباء طلبوا مني متابعة الأخبار على الجوال"، فعلت بثينة ذلك؛ لكن امتنعت عن إخبارهم بوجود شهداء كي لا يخافوا أكثر، إلا أنها جهّزتهم نفسيًا لاحتمال اضطرارهم لمغادرة البيت كما فلعت عشرات العائلات التي نزحت بسبب القصف.

"متى الهدنة يا ماما، شوفي يمكن حدّ تدخّل عشان يوقفوا قصف"، هكذا كانت الطفلة هدلاء تقول لوالدتها، بل إنها طلبت منها الدعاء ربما يتوقف بسببه القصف، ورغم أن بثينة عاشت تجربة عدوان 2014، وفي ذلك الحين نزحت إلى منزل أهلها في مدينة غزة، لكن تعقّب:"شدّة القصف وعنفه هذه المرّة حرمتنا حتى من فرصة اختيار الخروج من المنزل، فربما نموت إن خرجنا".

اقرأ/ي أيضًا: الأمهات في غزة عين على السماء والأخرى على الأطفال

ومع ذلك، فبثينة تضع منذ اليوم الأول حقيبة إلى جوار باب شقتها فيها كل الأوراق الرسمية إضافة إلى ملابس خفيفة لطفليها، أما هي فتنام بكامل ثيابها، تعقّب: “أردت أن تكون هذه الأشياء جاهزة كي أحملها سريعًا إذا اضطررنا للنزوح".

إلى قرية أم النصر الواقعة في أقصى شمال غرب بلدة بيت لاهيا والتي نزح غالبية سكّانها إلى البلدات المجاورة بسبب شدّة القصف الذي دمّر نحو 25 منزلًا في المنطقة الصغيرة، نوى التقت السيدة غدير تاية "30 عامًا" والتي نزحت إلى منزل أهلها في منطقة عزبة بيت حانون شرق بيت حانون هربًا بأطفالها، لكن الخطر لاحقها إلى هناك!.

تقول غدير وهي أم لثلاثة أطفال :"هذه العدوانات قاسية جدًا على قلبي، عدوان 2014 سرق مني والدي الذي استشهد حينها، وفي كل عدوان أخشى فقدان أحد أحبّتي".

"محمد 11 عامًا، آلاء 9 سنوات، وعدي 3 سنوات"، هم أطفال غدير الذين تبذل كل جهدها للحفاظ عليهم بعيدًا عن الخوف والخطر، خاصة في منطقة مثل قرية أم النصر حيث البيوت مسقوفة بالصفيح الذي يمكن أن يطير بسبب ارتدادات هواء القصف، فما بالنا حين يكون عنيفًا وقاسيًا.

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو ينتقم من غزة لتغطية هزائمه

تقول غدير :" منذ اليوم الأول للعدوان في 28 رمضان ذهبت برفقة زوجي وأطفالي إلى بيت أهلي، علّه يكون أكثر أمانًا، في ليلة العيد حاولنا العودة على أمل قضاء العيد في بيتنا، لكن شدة القصف جعلتنا نتراجع ونعود من منتصف الطريق إلى بيت أهلي".

أراد أطفالها الاحتفال بالعيد بالملابس التي اشتروها خصيصًا للعيد، بكوا كثيرًا لأنهم لن يلبسوها، حاولت تهدئتهم وإقناعهم بلبسها في اليوم الثاني، لكن الأطفال ظلّ الحزن في قلوبهم، فالملابس الجديدة للأطفال واحدة من أهم الأشياء التي تسعدهم.

تكمل :"في الليل بدأ القصف مرة واحدة وكان شديدًا، الصوت مرعب، الناس تكبّر من شدة الخوف، وصوت صراخ الأطفال يأتي من البيت ومن الجيران، هناك أقارب لنا نزحوا إلى بيت أهلي، فأصبحنا حوالي 50 فردًا في البيت".

ما كان مرعبًا بالنسبة لغدير، أن وجود هذا العدد يمكن أن يسب مجزرة حال سقط الصاروخ على بيتهم، فالصواريخ تسقط عشوائيًا، تدمّر بيوت، وشوارع ومؤسسات حكومية، ولا أحد يعرف من الضحية القادمة.

تتابع :"المرعب أن الكهرباء مقطوعة، نحاول جاهدين تهدئة الأطفال، الذين يصرّون على السؤال أين القصف وهل يوجد شهداء، وبالطبع لا يمكن إخبارهم، فالوضع صعب وحقيقة الأخبار تؤثر أكثر على نفسيتهم".

وصلتها أخبار خروج الناس من قرية أم النصر، وأخبار نزوح الكثير من العائلات من الشمال، ولكن تتساءل:"لو حاولنا الخروج أين سنذهب، أين سنمضي بكل هذا العدد، مازلت أتذكر قسوة عدوان 2014 وكل تفاصيله المرعبة".

لا تعرف غدير شيئًا عن بيتها، وظلّت بانتظار هدنة تمكّنها من العودة بأمان إليه للاطمئنان عليه، بعد انتهاء عدوان 2014 عادت إليه لتجدّه قد سوّي بالأرض، لكن هذه المرة حتى الآن لا أخبار عنه، لكن بالنسبة لها هي لا تصدّق أنها وبعد كل ما عايشوه ما زالت تقتنص الحياة من رحم الموت.