أسرى يحولون السجون إلى منارات عِلمٍ ويعانقون الشهادات
تاريخ النشر : 2021-04-23 23:28

غزة:

"بعد اجتماع اللجنة العلمية قررت الدراسات العليا في جامعة أبو ديس منح الباحث عمار الزبن درجة الماجستير في العلوم السياسية".

منذ عام 2012 ما زال صوت هذه العبارة يتردد في أذن الأسير الفلسطيني عمار الزبن والتي نال بموجبها درجة الماجستير رغم وجوده في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 24 عامًا يقضي حكمًا بالسجن 26 مؤبدّا.

الأسير الزبن "44 عامًا" ابن مدينة نابلس، هو واحد من 1000 أسير داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، أضاءوا شمعة وسط ظلام السجون الحالكة، والتحقوا بالتعليم الجامعي في تخصصات مختلفة، فهم لم يسمحوا للسجن أن يكسر أرواحهم وجذوة النضال في قلوبهم، وتحويل زنازين السجون إلى منارات للعلم والمعرفة.

الأسير الزبن: عملت على تأريخ بطولات المقاومة و فلسفتها عبر فن الرواية، وكان آخر هذه الروايات الطريق إلى شارع يافا

وتتيح جامعة القدس المفتوحة للأسرى الالتحاق ببرامجها التعليمية عبر التواصل مع الهيئات المختصة بشؤون الأسرى، ووفقًا لتوثيق مركز فلسطين لدراسات الأسرى، فإن العام الماضي 2019-2020 هناك 25 اسيرًا أنهوا تعليمهم الجامعي وحصلوا على درجة البكالوريوس.

يقول الأسير الزبن في مداخلة أرسلها إلى شكة نوى :"حصلت على بكالوريوس في العلوم السياسية والماجستير في الدراسات الإسرائيلية في جامعة القدس أبو ديس وذلك تتويجاً لمسيرة طويلة من المعاناة للحصول على هذا الإنجاز".

بدأ الزبن بالدراسة في الجامعة العبرية المفتوحة وهي الوحيدة التي كانت متاحة لهم أكاديميًا حينها، وما لبثت أن أُغلقت في وجوهم عقب اعتقال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة للجندي جلعاد شاليط عام 2006، ثم استطاع الأسرى افتتاح فرع لتدريس بكالوريوس التاريخ عام 2012 بالاتفاق مع جامعة الأقصى في قطاع غزة بوجود نخبة من حملة الشهادات العليا، تخرج منها مئات الأسرى، وجامعة القدس أبو ديس فوفرت لهم تخصص العلوم السياسية.

أما ما اعتبره الزبن انجازًا حقيقيًا؛ فهو المشروع الأدبي الذي حلم به منذ صغره وحققه في الأسر عبر كتابة سبع روايات على مدار 14 عامًا تم نشر أربعة منها.

يقول الزبن :"عملت على تأريخ بطولات المقاومة و فلسفتها عبر فن الرواية، وكان آخر هذه الروايات الطريق إلى شارع يافا والتي تؤرخ للعمل الاستشهادي، وسبقها رواية الزمرة التي تروي قصة المقاوم الإنسان، مرورا برواية من خلف الخطوط التي تسجل عمليات أسر الجنود وثقافة تحرير الأسرى وصولاً إلى أولى رواياتنا وهي عندما يزهر البرتقال".

لكن الصعوبات أيضًا كثيرة كما يقول الزن؛ وأبرزها الطباعة والنشر وضعف الرعاية الحقيقية للأدب المقاوم داخل السجون، وهذا لا يمنع وجود مبادرات فردية لا تلبث أن تختفي تحت ضغط الواقع.

ويضيف :"داخل الأسر يستطيع الأسرى بإرادتهم العظيمة تجاوز تنغيصات العدو الذي يصادر الأوراق والمخطوطات الأدبية، وبات الآن ينشغل في البحث عن الهواتف النقالة المهربة".

حسب المتابعين لشؤون الأسرى؛ فإن سجون الاحتلال مليئة بالقصص الملهمة لأسرى لم يكسر القيد عزيمتهم وقرروا تحقيق إنجازات تعليمية.

الأسير ناصر عبد الجواد ابن مدينة سلفيت حصل على درجة الدكتوراه من جامعة النجاح عام 2003 وناقشها عبر الهاتف المهّرب في سجن مجدّو، كذلك الأسير رشيد صبري من البيرة حصل على الماجستير بتقدير ممتاز من جامعة بيرزيت أيضًا ناقشها عبر الهاتف النقال المهرب في سجن عوفر عام 2004، والأسير مروان البرغوثي نال الدكتوراه في العلوم السياسية منتصف عام 2010 في معهد الدراسات التابع لجامعة الدول العربية.

طقاطقة: كانت أمل في الأول الثانوي عند اعتقالها وتابعت التعليم والآن هي في الجامعة تدرس إعلام وتقديرها ممتاز

أمل طقاقطة، أسيرة فلسطينية من مدينة بيت لحم، تقبع في سجون منذ كانت في 16 من عمرها، ورغم ذلك استطاعت إنهاء الثانوية العامة وتدرس حاليًا تخصص الإعلام المستوى الثالث.

تقول شقيقتها إيمان لنوى :"أمل مثابرة حتى داخل السجن ونحن نفخر بكل إنجاز تحققه، كانت في الأول الثانوي عند اعتقالها وتابعت التعليم والآن هي في الجامعة تدرس إعلام وتقديرها ممتاز رغم أنها مصابة في خمس مواضع من جسدها ولكن الألم لم يثنيها عن متابعة الدراسة".

لم تكتف أمل بدراستها الأكاديمية؛ فقد أتمت حفظ القرآن الكريم، واجتازت الكثير من الدورات التدريبية في مجال حقوق الإنسان والمرأة والتلاوة والتنمية البشرية، الأسر لم يقف حائلًا أمام طموحها وإرادتها.

تضيف إيمان :"حسب متابعتي فإن الأسرى يتولّد لديهم قدرة كبيرة على التحدّي وتجاوز الضغوطات والمنغصات التي يضعها الاحتلال، ويمضون بعزم نحو أهدافهم".

إنجاز آخر للأسير الفلسطيني معمّر شحرور من مدينة طولكرم، والذي تخرّج من بكالوريوس الشريعة الإسلامية من جامعة القدس المفتوحة ودبلوم الرياضة من جامعة خضوري وبكالوريوس في التاريخ قسم الشرق الأوسط وهو على وشك إتمام الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من جامعة القدس أبو ديس.

أزهار: خضنا مع معمر معارك مع الاحتلال من أجل إدخال الكتب والمراجع اللازمة طوال 20 عامًا قضاهن في التعليم والتعلّم

تقول شقيقته أزهار لنوى :"توفي والدي بعد الحكم على معمر بالسجن 29 مؤبدًا عام 2004، ثم لحقته والدتي عام 2006 إثر منع الاحتلال لزيارات الأسرى، رغم ذلك لم يتوانى أخي في متابعة تعليمه وانتزع حقه في الدراسة وهو الآن على وشط مناقشة رسالة الماجستير".

تضيف " خضنا مع معمر معارك مع الاحتلال من أجل إدخال الكتب والمراجع اللازمة طوال 20 عامًا قضاهن في التعليم والتعلّم، فكثيراً ما حصلنا على تنسيق لإدخال الكتب والمراجع، يقوم الاحتلال بتمزيقها أو مصادرتها عند وصولها".

الأشقر: من أجل التعليم خاض الأسرى في سجون الاحتلال العديد من الإضرابات عن الطعام وجولات تصعيد مع إدارات السجون

المختص في شؤون الأسرى رياض الأشقر يقول إن إرادة الحياة التي يتسلح ها الأسرى فاقت ظروف السجن القاسية رغم الأحكام العالية التي تفرض عليهم، لكن فشل الاحتلال في تفريغ الأسرى من مضمونهم وعرقلة تطوير ذاتهم.

من أجل ذلك، خاض الأسرى في سجون الاحتلال العديد من الإضرابات عن الطعام وجولات تصعيد مع إدارات السجون، يقول الأشقر، في البداية من أجل الحصول على حقهم في الورقة والقلم، ثم إدخال الكتب وإيجاد مكتبات في السجون حتى وصلوا إلى مرحلة التعليم الجامعي والدراسات العليا.

ودعا الأشقر مؤسسات حقوق الإنسان إلى رفع هذه القضية ووضعها على سلم أولوياتهم، كي يستفيد الأسرى من سنوات عمرهم داخل السجون، وكذلك رصد وتوثيق الانتهاكات وتشكيل لجان قانونية لمتابعة واقع حق الأسرى في التعليم دون قيود وهي ما زالت كثيرة.

وذكّر بالدور الواقع على السلطة الفلسطينية ممثلة بوزارة شؤون الأسرى بضرورة دعم الجانب التعليمي والثقافي للأسرى والعمل على فتح آفاق التعليم بشكل أفضل امامهم عبر عقد اتفاقيات مع عدة جامعات تضمن متابعتهم التعليم ودعمهم في ذلك ماديًا بحيث لا تصح الدراسة عبئًا على الأسرى.