الأمهات: "السخرية سبيلنا للهرب من مشاعر أطفالنا"
تاريخ النشر : 2021-04-17 21:17

شبكة نوى | قطاع غزة:

"قامت الحرب؟" سؤال مرعب نطق به الطفل أيوب إسماعيل الذي كان يستعد لاستقبال "المسحراتي" في الليلة الرابعة من شهر رمضان المبارك، بينما كان يطل من نافذة منزله حينما سبق صاروخ ضربته طائرات الاحتلال هدف بعيد لكنه أشعل سماء غزّة ناراً نوراً وسط عتمة الليل وانقطاع الكهرباء.

هكذا صدح صوته موجهاً السؤال لوالده الذي ردّ عليه ساخراً، "لا، جيش الاحتلال فضل إيقاظنا للسحور بطريقة مختلفة اليوم" في محاولة لتهدئة طفله الذي بدا شاحباً.

شريط ذكريات مرير من "حرب ٢٠١٤" أخذ أيوب يستعيده أمام والديه وأفراد أسرته، تخبرنا والدته قائلة "برغم مرور ٥ سنوات على الحرب الأخيرة لكنها عالقة بصورة أبنائي وتحديداً أيوب بصورة قاسية".

صحيح أنها ذكرى لكنها مستمرة كيف سينسى إذن؟ تتساءل هي الأخرى وتضيف "ما فعلته الحرب بنا نحن الكبار يضرب أرواحنا ويضيق أنفاسنا يومياً، كيف لأطفالنا الذين لم يروا بحياتهم غير الموت والقصف أن ينسوا كل هذا الدمار النفسي".

تأثير العدوان لا يتوقف عند أيوب، بل إنه ممتد إلى نفوس معظم الناس في القطاع، فأمل وهي أم لثلاثة أطفال، تبلغ من العمر ٣٦ عاماً فضلت كتابة اسم مستعار خوفاً من أن تمر مشاعرها عبر هذه المادة يوماً لأطفالها خصوصاً وأنها في كلّ جولة تصعيد تحاول طمأنتهم بالسخرية من مشاعرهم كي يعتقدوا أن الهدف بعيد وأنهم يهولون الأمر – تخبرنا -.

ولا ترى أمل سوى السخرية سبيلاً للهرب من مشاعر أطفالها، بالقول "هيك ما طلعت بطل وبتخاف من القصف؟ بعيد يا ماما ليش هالقد مزودها، تخيل أنه صوت الرعد مش أنت بتحب الشتاء؟"

وتزيد "أنا أيضاً أحتاج من يكذب علي بهذه الأمور ويقول لي إنه رعد وما شابه، وأعدكم أنني سأصدقها لأبعد خوفي أيضاً".

وارتباط القصف ليومين متتالين في رمضان هذه المرة بالتأكيد كان أثره بالغاً بنفس أمل، التي قصف جزء من منزلها في رمضان عام ٢٠١٤ بعدما نزحت مع أسرتها من شرق مدينة غزّة إلى وسطها قسراً تحت ضربات المدفعيات والطائرات.

ولعلّ الأمر الكارثي بالنسبة لحامد شاهين وهو رب أسرة تعاني الأزمة النفسية الناجمة عن العدوانات الإسرائيلية على القطاع، أن أطفاله اليوم باتوا يميزون أصوات الضربات إن كانت من مدفعية أم طائرة حربية مشيراً "لا أستطيع هنا أن أكذب عليهم وأقول أنه ليس قصف إسرائيلي؟".

يتابع شاهين أنه بقدر محاولاته الابتعاد عن الأخبار المتعلقة بالتصعيد حتى مع سماعه القصف، لكن أطفاله لا ينفكون عن نقلها له من خلال اشتراكهم ببعض مجموعات الأخبار على فيسبوك، والخلاص لهؤلاء الأطفال بفترة الحجر المنزلي ورمضان هو الهاتف، ما يجبره على تناسي الأمر والاكتفاء بالقول "سيبوا الأخبار وسيبوا القصف، تناولوا سحوركم وانتظروا الأذان لتغفو بعدها وتستيقظوا فيعود الوضع طبيعي خالي من الحروب".

في الحقيقة، منذ عدوان إسرائيل على قطاع غزّة في العام ٢٠١٤ والذي بدأ في شهر رمضان، صار الشهر يأخذ منحى آخر من ذكريات الفلسطينيين الذين يسكنون هنا، فبدلاً من تبادل الأحاديث حول رمضان قديماً، توقّف شريط ذكرياتهم إلى حيث انطلاق شرارة العدوان الأولى. فهذه مرحلة جديدة، هل ما زلنا أحياء فعلاً؟ يتساءلون؟.