"علب السردين" تنطق بهموم اللاجئين بين يدي محمد
تاريخ النشر : 2021-04-05 08:55

غزة:

بالطينة الهوائية وأدوات فنية تقليدية يبدع الشاب الفلسطيني محمد جحلش من مدينة غزة بإنتاج قطع فنية داخل علب السردين الصغيرة التي يراها تشبه إلى حد بعيد واقع الإغلاق التام الذي يخنق قطاع غزة منذ عامًا.

"علبة السردين الصغيرة المكدّسة بهذا النوع من السمك والمغلقة تمامًا من كل الجوانب تشبه تمامًا ما يعانيه الناس وخاصة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية والشتات"، يقول الشاب محمد لنوى واصفًا كيف طرقت فكرة استثمار علب السردين عقله فانطلق يصف معاناة الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين.

ثلاثة أشهر قضاها محمد الذي يعمل مدرّسًا للتربية الفنية في أحد المدارس الحكومية بغزة، وهو يجسّد قضايا الناس الملحّة مستخدمًا 250 علبة سردين التي توزعها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين مجانًا على نحو مليون و 300 ألف لاجئة ولاجىء يعيشون ظروفًا قاسية داخل 8 مخيمات في قطاع غزة الواقع أقصى جنوب فلسطين المحتلة.

ضحك بينما يروي لنوى كيف كان يتخلص من محتويات علب السردين التي كان يعطيها له أصدقائه ممن يتلقونها مجاناً، وفي بعض الأوقات يضطر لشرائها من السوق:" ليست المشكلة في الحصول عليها ولكن المشكلة في كيفية التخلص من محتواها الذي لم اعتد على تناوله يوماً وكذلك عائلتي، لكنني بعد أن أنهكت القطط المحيطة بتناولها بدأت أبحث عن طرق لأتناولها بنفسي وقد نجحت".

جحلش الذي تعود جذور عائلته لمدينة غزة، ولم يعتد يوماً تناول معلبات السردين التي توزع لبعض الفئات من اللاجئين أصبح اليوم فنانًا في صنع موائد من الطعام التي تعتمد على محتويات علب السردين.

لماذا علب السردين؟ يجيب جحلش:" كنت بحاجة لقالب جديد أقدم من خلاله رسالتي الفنية والوطنية التي يمكنني تسليط الضوء من خلالها على معاناة المواطن الفلسطيني، ووجدت أن علبة السردين تشبه إلى حد كبير حالنا في قطاع غزة، فهي مغلقة مثله من كل الجهات، كما أن السردين المكدس بداخلها يشبه حالنا في المخيمات التي تعاني من كثافة سكانية انعكست على جودة الخدمات وانعدامها في بعض الأحيان.

في أول نموذج بدأ بها الفنان جحلش كان عشرات علب السردين المتلاصقة ببعضها ما يعكس حال الفلسطيني في المخيمات سواء في داخل فلسطين أو في الشتات، لتتوالى الأفكار فيما بعد حول تأثير هذه الكثافة على الخدمات الصحية والتعليمية والغذاء، وغيرها من الحقوق التي نعاني من صعوبة الوصول لها في ظل الحصار.

نحو 250 علبة سردين جسّد خلالها الفنان الشباب قضايا الصحة والتعليم والبطالة والفقر والكثافة السكانية وأزمة الصيد وتصدير المحاصيل الزراعية وهجرة الشباب وغيرها من القضايا.

وقد استحوذ موضوع الصحة على عدد كبير من علب السردين التي جسد من خلالها عدد من المشاكل التي تواجه المواطن في مجال الصحة، كنقص الأدوية، والتعقيدات في موضوع التحويلات الطبية.

هذه القضايا التي تلمّسها الفنان باعتباره مواطن يتقاسم ذات الهم الذي يعيشه مواطني قطاع غزة فجسد الهموم مجتمعة في علب سردين متراصّة في غرفة خصصها لمتابعة أعماله الفنية.

طين هوائية وألوان وعلب سردين فارغة، وفكرة في رأس فنان كانت كفيلة أن تلفت الأنظار إلى عدالة القضية الفلسطينية، ولتؤكد لصاحبها أنه في الطريق الصحيح ليتسع طموحه أملًا في عرضها على الفضاء الواقعي ونصبها على مداخل المخيمات لتذكير العالم أن ثمّة مواطنين فلسطينيين في هذه البقعة ما زالوا يعانوا كل هذا العذاب الذي يتحمل مسؤوليته الاحتلال وأن شعبنا ما زالت بوصلته نحو فلسطين.