بايدن وآفاق العلاقات الأمريكية مع الإسرائيليين والفلسطينيين
تاريخ النشر : 2021-03-17 09:40

برغم أن الادارة الأمريكية بقيادة جو بايدن لا تبدو على عجلة من أمرها للانخراط مجددا فى مسيرة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية وتضع أولويات لسياستها الخارجية كما أسلفنا في مقال سابق؛ إلا أن هذا لا يعنى أن الادارة الأمريكية بعيدة عن ما يجرى على الأرض فى الضفة الغربية وقطاع غزة كما فى إسرائيل، والمدقق فى المشهدين الانتخابي الاسرائيلي والفلسطينى يمكنه رؤية آثار واضحة لأيدى الادارة الأمريكية الطويلة فى كلا المشهدين نحو إضعاف تيارات وتدعيم تيارات أخرى طبقا للمعادلة التى تريد الادارة الأمريكية بزعامة بايدن الوصول إليها بنهاية العام الأول من حكمها. 

ومن الواضح أن تلك المعادلة بشقها الاسرائيلى لن يكون فيها نتنياهو رئيسا للوزراء فى إسرائيل حتى لو تطلب ذلك أن لا يشكل الليكود الحكومة القادمة؛ وبمعنى آخر إدارة بايدن تريد حكومة ائتلافية من يمين الوسط ويسار الوسط؛ فهؤلاء هم اليوم الذين يمثلون فى اسرائيل نظرائهم فى الولايات المتحدة الأمريكية من اليهود الأمريكيين والذين يمثلون الصهيونية الرشيدة؛ وهم من حاز جون بايدن على أصواتهم فى الانتخابات الأخيرة ويمثلون ما يزيد عن 75% من يهود الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهي نسبة وازنة للغاية تمنح إدارة بايدن هامش كبير من الحركة بحرية ضد نتنياهو اليمينى المتزعم لتحالف أقصى اليمين فى الخارطة السياسية الإسرائيلية؛ والذى كان الأقرب لإدارة ترامب خلال مدة ولايته. 

من هنا فإننا نرى التغير فى المشهد الانتخابى الاسرائيلى اليوم فى استطلاعات الرأي؛ والتى تظهر تقدم  لحزب لابيد من يمين الوسط وتراجع لأحزاب أقصى اليمين بحيث أنهم قد لا يكون بمقدورهم تعدى عتبة55 مقعد فى انتخابات هذا الشهر، وبالتأكيد لم يكن ذلك مصادفة فثمة العديد من الرسائل التى أرسلتها إدارة بايدن لنتنياهو؛ وكانت ذات صدى قوي فى الشارع الاسرائيلى.  

رسائل ظهر من خلالها نتنياهو أمام الاسرائيليين كما لو كان جزء من إدارة ترامب التى من الواجب أن تفسح المسرح السياسي الاسرائيلى لغيرها لكي لا تتضرر العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وقد ظهر ذلك فى امتناع بايدن عن مهاتفة نتنياهو لأكثر من شهرين إضافة إلى ذلك الاعتراضات التى أبدتها الادارة الأمريكية على السياسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وخاصة فى قضية الاستيطان والضم كخطوات أحادية الجانب تضر بحل الدولتين الذى أعادت الادارة الأمريكية التأكيد عليه؛ إضافة إلى ذلك التناقض الرئيسى والتاريخي بين نتنياهو وبايدن نحو الملف والاتفاق النووي الايراني ولا تبدو أزمة عبور طائرة نتنياهو لأجواء الأردن وتأجيل زيارته للإمارات ببعيدة عما يجرى. 

على الطرف الفلسطيني لا تتعجل إدارة بايدن على إحداث تحول سريع ودراماتيكى فى علاقتها مع السلطة الفلسطينية والفلسطينيين بشكل عام عبر التراجع عن الاجراءات والعقوبات التى فرضتها إدارة ترامب على الفلسطينيين؛ ومن الواضح أن إدارة بايدن قد قررت استثمار هذا الواقع الراهن فى العلاقات الفلسطينية الأمريكية للضغط على الطرف الفلسطينى عبر فرض قواعد جديدة لهذه العلاقات وهى قواعد عامة من الواضح أن إدارة بايدن مصرة على التركيز عليها فى سياستها الخارجية بشكل عام مع كافة الأطراف، ومن الواضح أن العلاقات الأمريكية الفلسطينية ستكون أحد تلك الأطراف وأهم تلك القواعد أن يكون النظام السياسي لهذا الطرف الذى يحظى بعلاقات طبيعية مع إدارة بايدن نظام ديمقراطي منتخب يحظى برضا الأغلبية من الموطنين؛ وبرغم من أن استجابة الفلسطينيين لمثل تلك القواعد تعد تدخلا فى الشؤون الداخلية إلا أنه فى الحقيقة تدخلا لا يقوى أحد على رفضه نظر لحيوية علاقة أى دولة أو كيان سياسى مع الولايات المتحدة؛ وخطوة من هذا القبيل من شأنها تقوية الطرف الفلسطينى والموقف الفلسطينى بشكل عام فى الصراع مع إسرائيل. وهذا من الواضح ما ستسعى له إدارة بايدن خلال الفترة  الرئاسية الأولى حتى يكون بمقدورها فى نهاية تلك الفترة الوصول إلى محادثات سلام منطقية بين الطرفين. 

إن السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطينى الاسرائيلى تأخذ بعين الاعتبار استنتاجات إدارة أوباما حول هذه القضية؛ والتى لخصها فى كتابه الأخير الأرض الموعودة عندما تحدث عن صعوبة حل الصراع بسبب أن حكام اسرائيل يرون أنهم بالقوة بمكان بحيث أنهم غير مستعدين عن التنازل عن أى شئ وأن الفلسطينيين من الضعف بمكان بحيث أنهم غير قادرين على مزيد من التنازل. 

لكن السؤال يبقى عن معايير تلك التسوية التى ستسعى لها إدارة بايدن ومدى علاقتها بالواقع الذى ستسفر عنه نتائج الانتخابات الاسرائيلية والفلسطينية بشكل خاص ومدى مقاربتها أو ابتعادها عن ما عرف بصفقة القرن.