عن "معضلات" مشاركة الشباب في العملية الانتخابية
تاريخ النشر : 2021-03-16 14:48

..غزة:

"التربية الحزبية والعشائرية، قانون الانتخابات، وحالة التشوّه في النظام السياسي، والممارسة الديمقراطية المُهملة منذ ما يقارب 15 عامًا من الانقسام"، معضلاتٌ رئيسية حدّدها "حوارٌ سياسي" عقده المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، كعقباتٍ تحول دون مشاركة الشباب بفاعلية، في عملية الترشّح.

الحوار الذي حمل عنوان (الشباب والانتخابات)، وعُقِدَ عبر تقنية "زووم" مساء أمس الاثنين، ضمن مشروع "دعم الصمود عبر الحوار"، أداره الباحث اللغوي عبد الجبّار الحروب، الذي بدأ حديثه بالقول: "الشباب الفلسطيني غائب ومغيّب عن الانتخابات، رغم أنهم يمثلون الشريحة الاجتماعية الأكبر، ويواجهون معضلات كبيرة، بدءًا من التعليم، مرورًا بالبطالة، وليس انتهاء بالمشاركة السياسية".

وتعد أبرز الإشكاليات التي تواجه ترشّح الشباب في الانتخابات المقبلة "سن الترشّح" الذي حدده قانون الانتخابات بـ 28 عامًا للانتخابات التشريعية، و40 عامًا للانتخابات الرئاسية، مع أن سن الشباب وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يقع ما بين 18 و29 عامًا.

الحروب:900 ألف من الشباب الفلسطيني، محرومون من حق الترشّح للانتخابات التشريعية

وهذا يعني- وفقًا للحروب- أن 900 ألف من الشباب الفلسطيني، محرومون من حق الترشّح للانتخابات التشريعية، ناهيك عن أكثر من مليون آخرين، محرومين من حق الترشّح للرئاسة، ذلك برغم أن الشباب يشكّلون أكثر من نصف الناخبين.

والأمر لا يقف عند الانتخابات، فحتى على صعيد المجلسين المركزي والوطني، وفي دوائر منظمة التحرير، والمواقع القيادية المتقدمة للأحزاب، يغيب الشباب.

"إن واقع الشباب بات معروفًا، فالأرقام والنسب متوفرة، والجميع يحلل عن الشباب كقوة انتخابية، لكن هناك شكّ بشأن قدرتهم على التأثير وتحقيق التغيير" تقول عضو المكتب السياسي لـ "حزب فدا" رتيبة النتشى في مداخلتها.

وتبدو النتشة التي تحدثت من الضفة الغربية خلال الجلسة الافتراضية التي حضرها فلسطينيون وفلسطينيات من داخل الوطن وأراضي الشتات، محبطة من إمكانية قدرة الشباب على التغيير، "ذلك لأن مجتمعاتنا ما زالت ذكورية عشائرية تعصبية حزبية، والأرقام تشير إلى نسبٍ متدنية جدًا من تمثيل الشباب في أحزابهم السياسية" على حد تعبيرها.

النقطة الثانية التي انطلقت منها النتشة، أن قانون الانتخابات جعل فئة الشباب خارج مرحلة الترشح، "ولو ترشحت قائمة شبابية، فهي وفقًا لتقدير عمر الشباب لا تمثلهم" تضيف.

وفقًا لتعبيرها، فإن 15 عامًا من الانقسام، تركت تشوهًا "واضحًا" في مفهوم الديمقراطية والعمل والمشاركة السياسية.

النتشة:الخطوة الأولى للتغيير هي تكسير الأصنام، والانطلاق من أجل فكرة وليس أشخاص

وترى النتشة التناقض الحاصل بين الخطاب الموجه للشباب، والدور المسند إليهم، "ففي حين نتحدث عن أهمية دورهم ثم نقوّض مشاركتهم، ينادون بتمكين الشباب، وعند تشكيل القوائم يقصونهم"، وهنا تضيف: "الخطوة الأولى للتغيير هي تكسير الأصنام، والانطلاق من أجل فكرة وليس أشخاص، فالانتخابات القادمة ليست عادية، بل يقع على عاتقها إعادة بناء النظام السياسي، بحيث تضع أسس وشكل الدولة التي نريد".

الرغبة بالتغيير

بدوره، ذهب الشاب رامي مراد، إلى محور آخر في حديثه، فالانتخابات –وفقًا لرأيه- يفترض أن تشكّل باكورة التغيير في النظام السياسي، وانخراط الشباب في المشاركة السياسية.

يتابع: "النسبة العالية لتسجيل الشباب في السجل الانتخابي، تعطي مؤشرًا برغبتهم في التغيير، ولكن السؤال: هل سيُترك للمتنفذين القرار أم أن الشباب مستعدون للاستمرار والنضال، لانتزاع حقوقهم؟".

الفرضية السابقة –كما يقول مراد- تجعلُنا نؤمن بضرورة أن يضغط الشباب من أجل إجراء الانتخابات في النقابات والاتحادات ومجالس الطلبة المعطلة في قطاع غزة منذ سنوات، فالشباب لديهم رغبة بالتغيير دون دفع الثمن.

مراد الذي تحدث من قطاع غزة، عاش كل تفاصيل الانقسام السياسي، ويرى أن فئة الشباب تريد تخفيض سن الترشّح ولكن دون نضال وإنما بتوافق سياسي، وحتى قرار الانتخابات التشريعية اتُخذ بموجب اتفاق سياسي، وليس تراكم نضال شبابي سواء داخل الأحزاب أو عبر الحراكات والنقابات.

ونوّه إلى أن الشباب لا يمثلون قطاعًا متجانسًا، فهم قطاع اجتماعي عُمري عريض تختلف احتياجاتهم، وباتت الأولوية أمامهم الآن، النضال من أجل ضمان إجراء الانتخابات واستكمالها، خاصةً في ظل سعي الاحتلال لتقويض النظام السياسي الفلسطيني، "وعلى الشباب دور مهم في استحضار الهوية الوطنية والمشروع الوطني، وإصلاح الأحزاب والنقابات والاتحادات من الداخل وفي إطار جمعي".

تغييب فلسطينيي الخارج

لكن كلمة "انتخابات" التي كثر الحديث عنها في الحالة الفلسطينية مؤخرًا، تثير حزن فلسطينيي وفلسطينيات الشتات، أولئك الذين يُحرمون من هذا الحق، كما تقول الناشطة الشابة منار لوباني.

منار التي كانت تتحدث من أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عقّبت بالقول: "أشعر بغصة وأنا أسمع كلمتي شباب وانتخابات، نحن في الشتات نُحرم من هذا الحق ونُحرم حتى من أن نعيش شبابنا".

نحو 7 مليون فلسطينية وفلسطيني يعيشون في الشتات، يتمنون أن يتمكنوا ذات يوم من المشاركة في العملية الانتخابية، فالجسم الذي يمثلهم هو منظمة التحرير، ولم يشاركوا في أي انتخابات تخصّها، تؤكد لوباني.

وتردف: "الرئيس محمود عباس لا يمثلني فعليًا، لم أنتخبه، وغيره من الموجودين لم ننتخبهم، نحن لدينا الكثير من المشاكل التي لا يلتفت لها أحد".

وتلفت لوباني إلى بعضٍ من معاناة فلسطينيي لبنان، حيث يُحرمون من غالبية الوظائف، وليس لديهم حقّ تملّك أي شيء، تهمشهم السلطة الفلسطينية والدولة المضيفة، "فمن سيلتفت لحالنا، نحن نريد إجابة واضحة.. ماذا بعد الانتخابات التشريعية؟!".

من الحراك إلى الحركة

في آراء بعض الحضور، ثمة من يرى بأن أحد أسباب تراجع الحالة الشبابية هي عدم انطلاقهم من الحراك إلى الحركة، وأنهم ما زالوا قيد قضايا مطلبية مؤقتة في ظل حاجةٍ ملحّة لحركة شبابية تحمل برنامجًا استراتيجيًّا.

وهناك من يذكّر بأن الشباب يعيش حالة اغتراب على جميع المستويات، وهم الآن كتلة صامتة، والأجدر بحقهم، إحداث تغيير جذري في كل المؤسسة الفلسطينية، وإعادة هيكلة النظام السياسي على قاعدة الفصل بين السلطات، "فنحن نعيش مرحلة دكتاتورية، والإصلاح بحاجة إلى جهود شبابية كبيرة"، يقول بعضهم.

الأفكار التي طرحت خلال الحوار، فتحت المجال واسعًا أمام العديد من التساؤلات بشان قدرة الشباب الفعلية على التغيير داخل الأحزاب، والأجسام النقابية، والاتحادات التي ينخرطون فيها، ومدى إيمانهم بالعمل الجمعي، وقدرتهم على نبذ مفاهيم الانقسام تمهيدًا لخروج جيل جديد، ينهيه إلى غير رجعة.