قاتل صامت بدأ يغزو البيوت في قطاع غزة
تاريخ النشر : 2021-02-14 11:17

غزة -شبكة نوى:

كان يوم 25 يناير/كانون أول الماضي مأساويًا بالنسبة السيد خالد أبو عبدو، حين تسبّب سخان مياه الاستحمام الذي يعمل على الغاز في وفاة بِكره "سليمان".

صباح ذاك اليوم؛ عاد الشاب سليمان "19عامًا" إلى منزله في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة متعبًا بعد قضائه ليلة في البحر كصيّاد أجير، دخل للاستحمام وأشعل سخان الغاز، استعجله شقيقه للنزول إلى رفاقه دون إجابة.

ساور الشكّ شقيقه الذي أغلق صنبور المياه علّ سليمان ينتبه دون جدوى، ما دفعه لكسر باب الحمام ليُصدم بشقيقه مسجّى على الأرض وسط البخار الكثيف.

تعرّض سليمان للتسمم بأحادي أكسيد الكربون بسبب تسرّب الغاز في مكان غابت فيه التهوية ليلتحق بضحايا حوادث الاختناق بسخانات الغاز التي شهدها قطاع غزة مؤخرًا آخرها فتاة من المنطقة الوسطى.

هذه السخانات التي أخذت بالانتشار في قطاع غزة منذ عام ونصف وحصدت معها أرواح بعد إقبال المستهلكين عليها بشكل كبير بسبب رخص ثمنها مقارنة بالسخانات الأخرى، وليتجاوز الناس أزمة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.

رحيل الصياد الصغير

لدى زيارة نوى لوالدة الشاب سليمان التي كانت تستعد لزيارته في المقبرة، حاولت الأم المكلومة استجماع قواها وهي تروي وجعها، فالعائلة كما غيرها من الأُسر البسيطة كانت تستخدم البراد الكهربائي الصغير المعروف باسم "الكمكم" للاستحمام، لكن إشفاقًا على أبنائها وسليمان تحديدًا الذي يعمل في البحر كان عليها توفير سخّان يناسب وضعهم الاقتصادي يستخدمه فور عودته من العمل.

أم سليمان:نصحني كثيرون بشراء سخّان الغاز فهو لا يرتبط بساعات وصول الكهرباء ورخيص الثمن

تقول الأم: "نصحني كثيرون بشراء سخّان الغاز فهو لا يرتبط بساعات وصول الكهرباء ورخيص الثمن"، وتروي حكاية سليمان الذي أنهى العام الفائت الثانوية العامة وذهب للعمل كصيّاد أجير لحبّه للبحر، متناسيًا التعليم الجامعي كونه يرى صفوف البطالة بين الخريجين.

وتضيف: "كان يدّخر مالًا لشراء حسكة يعمل عليها في المستقبل بنفسه، ربما دفعه حبه للبحر إلى مهنة الصيد، حين كان صغيرًا؛ اشترى بارودة صيد، وسار بها إلى البحر ليصيد بعضًا من السمك يكفي لغداء العائلة".

رحل سليمان تاركًا قلب أمه الذي يعتصر ألمًا، وتنهش ذاكرتها كل ما تركه في أثره الطيب، فقد كان يستعد سرًا للاحتفال بعيد ميلادها مع أشقائه الأربعة (صبيّان وفتاتان)، بل وشدد عليهم عدم إخبارها لتكون مفاجأة لوالدتهم المرهقة من عملها المنزلي والعمل الحكومي.

هامش ربح أعلى

على زاوية شارع النصر الرئيسي غرب مدينة غزة، يعرض الشاب عمّار الشريف بضاعته من أدوات السباكة والسخانات المتعددة ليس من بينها سخانات الغاز التي رفض بيعها.

يقول الشريف: "اخترت عدم المتاجرة بسخانات الغاز لأن تركيبها لا يناسب غالبية البيوت في قطاع غزة، فهو يتطلب تأسيس مكان له داخل المنزل لضمان أمانه ويستوجب الشراء من شركات معتمدة تراعي عوامل الأمان في السخانات وهو ما لا يمكن ضمانه".

ولا ينكر الشاب أن الربح في هذا النوع من السخانات مغري جدًا للتجار والمستوردين، والطلب عليه كبير كونه يتجاوز أزمة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزة، لكنه ينصح من اشتروه بالتأكد من إغلاق محبس اسطوانة الغاز منعًا لأي تسريب خاصة عند النوم.

منع الاستيراد صعب

يُرجع المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الوطني عبد الفتاح أبو موسى أسباب إقبال المواطنين على استخدام سخانات الغاز إلى الوضع الاقتصادي السيء في قطاع غزة، والذي دفعهم نحو استخدام هذه السخانات اقتصادية التكلفة مقارنة بسخّان الكهرباء الذي يرفع تكلفة الفاتورة بشكل كبير ناهيك عن انقطاع الكهرباء.

وحول بخطورتها، أرجع أبو موسى الأمر لوعي المواطنين في الحذر عند استخدامها، فعند الاضطرار لوضعها داخل الحمام يجب وجود فتحة تهوية لخروج البخار وتجديد الهواء تجنبًا للاختناق بسبب نقص الأكسجين، وأخذ الاحتياطات عند استخدام أسطوانة الغاز وإغلاق المحبس لضمان عدم تسريب الغاز.

لكنه نفى إمكانية وقف استيرادها بقوله:"لا يمكننا منع الاستيراد لمجرد أن هناك خطورة من الاختناقات فهو أمر يتعلق بوعي المواطن، ونحن حريصون على أن تدخل بجودة عالية وغير مستعملة".

تكلفة أقل

المحلل الاقتصادي محمد أبو جياب يشدد على أن خطورة استخدام سخان الغاز ناتجة عن عدم اتّباع المستخدمين للإرشادات، والأخطر تركيبه داخل الحمام نفسه ذو المساحة الضيفة محكمة الإغلاق.

وعزا أبو جياب إقبال الناس على هذا النوع من السخانات كونه يمكّن المواطن من تجاوز أزمة الكهرباء، فالتسخين يحدث بمجرد تشغيل الصنبور، إضافة لكونه أقلّ تكلفة، فالسخان الكهربائي تصل تكلفة الاستخدام الواحد لـ 7 شواكل، بينما سخان الغاز يحتاج إلى 60 شيكلًا للأسطوانة التي تستمر ثلاثة شهور، لكن الأهم من كل هذا ضرورة تركيب هذه السخانات خارج المنزل، على السطح مثلًا أو على الحائط الخارجي.

يستدرك أبو جياب أن غياب الوعي في هذا الشأن تسبب في المشكلة، إلا أن مسؤولية التوعية تقع على عاتق الشركات المستورِدة وعلى وزارة الاقتصاد التي يجب أن تقوم بجهود التوعية وإرشادات للمواطنين.