رام الله:
تنتظر الطفلة مريم (أربع سنوات) وشقيقها أحمد (6 سنوات) بفارغ الصبر خروج والدتهم الأسيرة "فدوى حمادة" من العزل الذي فرضته عليها إدارة سجن الجلمة الإسرائيلية منذ أكثر من شهرين ليتمكنا من زيارتها.
إدارة مصلحة السجون نقضت وعدًا قدمته بإخراجها من العزل الأسبوع الفائت، وظلّت العائلة بانتظار خبر نقلها إلى سجن الدامون حيث تُحتجز باقي الأسيرات الفلسطينيات، لكن؛ دون جدوى.
أحمد لم يتمكن من رؤية والدته طوال العام الماضي، ومع فرض الاحتلال إجراءات جديدة على زيارة الأسرى بسبب جائحة كورونا، ثم عزلها في حزيران/يوليو لـ73 يومًا، وقرار العزل الأخير، يبدو أن دور أحمد لن يأتي قريبًا.
زوجها منذر حمادة قال لـ"نوى": للمرة الثانية على التوالي، تتراجع إدارة سجن الدامون وتواصل عزل فدوى رغم أنهم وعدوا بإخراجها من العزل الانفرادي مرتين حسب ما أبلغنا المحامي".
منذر:للمرة الثانية على التوالي، تتراجع إدارة سجن الدامون وتواصل عزل فدوى
الأسيرة فدوى "33 عامًا" وهي من بلدة صور باهر بمدينة القدس المحتلة، تعاقبها إدارة سجون الاحتلال بالعزل الانفرادي منذ 9 نوفمبر 2020، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخبارها عن العائلة التي تنتظر بفارغ الصبر زيارتها والاطمئنان عليها.
واعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فدوى في 12 أغسطس 2016 وحُكم عليها بالسجن لعشر سنوات، تاركة خلفها خمسة أطفال أصغرهم مريم التي كانت تبلغ خمسة شهور لدى اعتقال أمها.
زوجها منذر يتحدث عن وضع صعب تعيشه زوجته التي انقطعت عن أطفالها ومحيطها بالكامل بسبب العزل الانفرادي وسط ظروف صعبة في ظل البرد القارص وعدم وجود أغطية وملابس شتوية وسوء معاملة السجانين.
ووفقًا لمنذر فسبب تحويل فدوى إلى العزل الانفرادي كل هذه الفترة هو ما تقوم به إدارة السجن من استفزاز متواصل للأسيرات والعقوبات التي تفرضها عليهن على أبسط الأشياء، وهي سياسة ليست جديدة على الأسيرات، ولكن في حالة فدوى كانت هي الأطول والأصعب كونها أمٌ تُحرم رؤية أطفالها حتى لو من وراء الزجاج العازل.
المحطة الأصعب
المحررة منى قعدان من بلدة عرابة شمال الضفة الغربية من الأسيرات اللواتي تعرضن لهذه السياسية خلال سنوات اعتقالها التي امتدت لفترات متقطعة ثمانية سنوات، أطولها كانت ل15 يوما متواصلة.
منى:العزل هو المحطة الأصعب خلال المرات الخمس التي اعتقلت فيها، والأكثر إرهاقًا في ظل الضغط النفسي والجسدي
تقول لـ"نوى" إن العزل هو المحطة الأصعب خلال المرات الخمس التي اعتقلت فيها، والأكثر إرهاقًا في ظل الضغط النفسي والجسدي الذي يُفرض عليها، وعلى باقي الأسيرات اللواتي يخضعن لهذه العقوبة.
قعدان عُزلت في ثلاث مراكز عزل، الأول الجلمة حيث الأسيرات الجنائيات الإسرائيليات، هناك العزل بغرفة منفردة أو في غرفة مع المعتقلات الجنائيات الإسرائيليات، واللواتي يتعمدن دائمًا التحرش بالأسيرات الفلسطينيات ومضايقتهن، لدرجة لا تأمن الأسيرة على حياتها.
الثاني هو عزل سجن الرملة والذي تكون فيه الأسيرة وحيدة لا يوجد حولها غرف ولا أقسام للأسرى، لكن الأصعب، بالنسبة لقعدان كان عزل سجن الدامون عام 2012،.
في تلك السنة كانت إدارة سجون الاحتلال جمعت كافة الأسيرات في قسم واحد في سجن هشارون، وخصص سجن الدامون للمعتقلين الجنائيين الإسرائيليين، وخاصة ذوي الأحكام الصعبة والعالية.
تقول:" القسم يتواجد فيه المجرمون وأصحاب القضايا الخطيرة من الإسرائيليين كالقتل والمخدرات، مشاكل طوال اليوم وصراخ وشتم بألفاظ نابية، واقتحام متواصل للسجانين وخاصة بعد منتصف الليل، دون مراعاة وجود أسيرة محجبة في القسم".
في ذلك العزل كانت كاميرات المراقبة في كل مكان والحمام مكشوف، ولتتمكن من دخول الحمام عليها تغطية الباب بالأغطية، بالإضافة إلى التعامل المُهين من السجانين.
سبب عزلها في تلك الفترة كان تضامنها بالإضراب عن الطعام مع شقيقها المضرب عن الطعام "طارق قعدان" بعد تجاوز إضرابه ال70 يومًا احتجاجًا على اعتقاله الإداري، وهو ما شكّل ضغطًا إضافيًا عليها في العزل، فمن جهة تحاول إدارة السجون الضغط عليها لفك إضرابها، ومن جهة أخرى ظروف العزل الصعبة.
تقول قعدان إن العزل يعني انقطاع عن العالم بشكل كامل، حيث يُمنع زيارات الأهل والمحامي، وبالنسبة للأسيرات الأمهات الأمر يزداد سوءا.
ولمعرفة الأسيرات بصعوبة ظروف العزل فإنهن يقمن بخطوات احتجاجية في حال عزل أي منهن حتى يتم الضغط على الإدارة للتراجع عن قراراها وتقصير مدة العزل، وبالتالي معاناة الأسيرة.
ميس: تجربة التحقيق كانت صعبة جدًا، ولكن العزل صعب لدرجة أنني كنت أتمنى أن أسمع صوت المحقق أو السجان حولي
من التحقيق للعزل
وإن كانت تجربة قعدان في العزل مرتكزة على خبرتها بالتعامل مع إدارة السجون منذ كانت ممثِلة الأسيرات أكثر من مرة وخاضت معارك إضراب مفتوح عن الطعام داخل السجن، إلا أن تجربة العزل للأسيرة المحررة "ميس أبو غوش" 21 عامًا، كانت أصعب كونها خضعت لها منذ اعتقالها الأول وعقب خروجها من تحقيق عسكري قاسٍ.
قرار تحويل أبو غوش للعزل لم يصدر من مخابرات الاحتلال أو عقوبة كما جرت العادة، وإنما فترة انتقالية بعد إنهائها تحقيق عسكري قاسٍ ونقلها لغرف الأسيرات، عُزلت أبو غوش خمسة أيام، تصف صعوبتها أنها تعادل التحقيق العسكري والتعذيب الذي تعرضت له أو تزيد.
اعتقل الاحتلال أبو غوش في سبتمبر/ أيلول 2019 وتعرضت لتحقيق عسكري في مركز تحقيق المسكوبية، ثلاثة أيام حرمت خلالها من النوم والجلوس، ضُربت وشُبحت وسُحلت من شعرها، وبعد هذا التحقيق الصعب وُضعت في زنزانة عزل تصفها "بالقبر الذي يتسع لميتين".
تتابع أبو غوش لـ"نوى": كنت أصرخ أغني أتحدث لنفسي وأتخيل أمامي أناسًا أحادثهم، أطرق جدران الزنزانة ساعات متواصلة حتى يسمعني السجانين ويفتحوا لي الباب لأخرج للحمام أو ليجلبوا لي الطعام".
تصف أكثر "غرفة باردة جدرانها خشنة الملمس طُليت باللون الرمادي، وفي منتصف السقف إضاءة قوية جدًا ومزعجة، حتى أنني كنت أغطي رأسي كي لا تؤذي عيني، وبداخلها حمام تفيض مجاريه على الفراش الذي أنام عليه".
تقول أيضًا :"تجربة التحقيق كانت صعبة جدًا، ولكن العزل صعب لدرجة أنني كنت أتمنى أن أسمع صوت المحقق أو السجان حولي".