التأمين الصحي لماذا لا ينقذ الفقراء
تاريخ النشر : 2021-01-29 14:10

غزة:

"نريد نظام تأمين صحي فلسطيني قائم على أساس المواطنة لا العائلة، يغطي كافة الاحتياجات الصحية دون أن يضطر الفقراء للدفع من جيوبهم او بيع مدخراتهم عند المرض".

كانت هذه هي التوصية الأبرز خلال مؤمر بعنوان "نحو نظام تأمين صحي شامل وعادل"، نفذته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر نظام الفيديو كونفرنس، عرضت خلاله نتائج تحقيق وطني بهذا الخصوص أجرته الهيئة خلال العامين الماضيين.

 31.5% فقط من عدد السكان مؤمّنين صحيًا، ما يعني أن الغالبية لا يتمتعون بالرعاية الصحية

والحقيقة إن النتائج تظهر بوضوح حجم ما يكتنف نظام التأمين الصحي الفلسطيني من قصور، فيكفي معرفة أن المواطنين الفلسطينيين المأّمنين صحيًا فقط 31.5% من عدد السكان، ما يعني أن الغالبية لا يتمتعون بالرعاية الصحية التي نصت عليها القوانين الدولية لحقوق الإنسان.

فالمشرّع الفلسطيني-وفقًا لتحقيق الهيئة- لم يعتبر الصحة حقًا، لذلك لم ينص في القانون الأساسي عليها ضمن الحقوق، ومن خلال فحص قانون الصحة العامة ونظم التأمين الصحي يبرز أنه استند على فلسفة تقديم الحكومة للخدمة وفقًا لمواردها.

ويُعتمد في فلسطين ثلاثة أنظمة للتأمين الصحي وهي تأمين وكالة الغوث والتأمين الصحي الحكومي والتأمين الخصا بشقيه التجاري والتعاوني، على أن هذا لم يؤدي غلى توسيع خيارات الناس بل تسبب في تشتيت هذه الأنظمة وتضارب الجهات التي تقدم الخدمات الصحية.

تفتقد أنظمة التامين الصحي لتغطية شاملة لكبار السن وذوات وذوي الإعاقة ومرضى الثيلاسيميا والأمراض المزمنة

ناهيك عن أن هذه الأنظمة مصالح الغالبية من الناس، ففي وطن مثل فلسطين وصلت نسبة الفقر عام 2020 إلى 14% في الضفة الغربية و 53% في قطاع غزة، بينما تفتقد أنظمة التامين الصحي لتغطية شاملة للاحتياجات الصحية لكبار السن وذوات وذوي الإعاقة ومرضى الثيلاسيميا والأمراض المزمنة، ولم تأخذ بالبعد الجندري والاحتياجات الخاصة بالنساء.

المؤتمر خلال جلساته الثلاث، ناقش بالتفصيل الجزئيات المتعلقة بنتائج المسح الميداني كمًا وكيفًا، وكذلك أثر الانقسام على تقديم الخدمة الصحية، وتشرذم أنظمة التأمين الصحي وقدرة النظام الصحي على التعامل مع الأزمات والأوبئة.

الكيلة: وزارة الصحة- وفقًا للوزيرة- مصممة على إنجاز ملف التأمين الصحي بما يتناسب مع ظروف شرائح المجتمع المختلفة

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أكدت مي الكيلة وزيرة الصحة الفلسطينية؛ على السياسة التشاركية والحوارية لدى وزارة الصحة لتطوير نظام التأمين الصحي، عبر رؤية شاملة للتأمين الصحي الفلسطيني، موضحة إنها هذا الملف أولوية كبيرة، حيث اعتمدت على مراجعة شاملة لنظام التأمين الصحي، وتم تشكيل لجنة من الحكومة الفلسطينية لمتابعة الموضوع، وعملت اللجنة على رفع نتائج هذه التوصيات للحكومة التي تعطل تنفيذها بسبب جائحة كورونا.

لكن وزارة الصحة- وفقًا للوزيرة- مصممة على إنجاز ملف التأمين الصحي بما يتناسب مع ظروف شرائح المجتمع المختلفة وخاصة الفئات المهمشة، حيث عملت خلال عام 2020 على إصدار أكثر من 350 الف بطاقة تأمين صحي للمواطنين.

يونس:تم اختيار التأمين الصحي كموضوع للتحقيق كأساس للحق في الصحة، كونه يطال كافة فئات المجتمع الفلسطيني

المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عصام يونس بدوره قال إن أحد أهداف المكونات الأساسية لخطة الهيئة المستقلة هي التأثير في التشريعات والممارسات عبر آليات التحقيق الوطني الهادفة لفحص واقع تشريعات بعينها، وتم اختيار التأمين الصحي كموضوع للتحقيق كأساس للحق في الصحة، كونه يطال كافة فئات المجتمع الفلسطيني.

فالتحقيق يبحث في الإشكاليات المتعلقة بواقع التأمين الصحي بكافة أشكاله، وتأثيرها على واقع الحق في الصحة، ومعالجة الإشكاليات المنظِمة للتأمين الصحي والسياسات المتبعة والقرارات الحكومية بهذا الخصوص، فالهدف –وفقًا ليونس- استعمال قواعد العدالة وجعل الصحة متاحة للجميع وبجودة عالية، استنادًا إلى المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بالحق في الصحة.

سلمان:العواقب المالية وسداد المواطنين من جيوبهم للتمتع بالخدمات الصحية يعرضّهم بشكلٍ أساسي للفقر

مديرة معهد الصحة العامة في فلسطين رند سلمان، حذّرت من أن العواقب المالية وسداد المواطنين من جيوبهم للتمتع بالخدمات الصحية يعرضّهم بشكلٍ أساسي للفقر الواضح ويهدد مستقبلهم ومستقبل أولادهم.

وأضافت أن التغطية الصحية هي أحد أهم مقومات التنمية المستدامة للارتقاء بأي مجتمع دون التعرض لضائقة مالية، لافتة إلى العديد من المبادرات التي قدمها المعهد بشأن التأمين الصحي، وبجهود تشاركية تم إنشاء نظام معلوماتي صحي حديث، وتكللت هذه الجهود بحوسبة النظام الصحي لكل الأسر، إضافة إلى أول مرصد للكوادر الصحية، ويمكن لصانعي القرار الاستفادة منه لحسن توزيع الكوادر وإدارتها داخل المؤسسات الصحية الفلسطينية، في سبيل وتسريع الإنجاز بما يخص الصحة.

واستعرضت مديرة دائرة السياسات والتشريعات في الهيئة المستقلة خديجة حسين نتائج وتوصيات التحقيق الوطني بشأن التأمين الصحي، بيّنت أن 31.5% فقط هي نسبة الفلسطينيين المؤمّنين صحيًا، بينما تشكّل نسبة إيرادات وزارة الصحة من التأمين الصحي 35%.

حسين:الاحتلال الإسرائيلي تسبب في هشاشة النظام الصحي الفلسطيني

وبالحديث عن المعوّقات، فإن الاحتلال الإسرائيلي تسبب في هشاشة النظام الصحي الفلسطيني، وهو يتنصّل حتى من مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الأسرى الفلسطينيين داخل سجونه، إضافة إلى ارتفاع معدلات والبطالة في فلسطين، -تقول حسين- إذن هناك ضرورة لإعادة النظر في الأطر التشريعية الخاصة بالتأمين الصحي وإنشاء جسم يختص بوضع استراتيجيات خاصة به.

كما تحدّث عبد الرازق غزال منسق السياسات والمناصرة في مؤسسة لجان العمل الصحي عن نتائج وتوصيات التحقيق، والذي استند إلى مجموعات بؤرية في عدة مناطق بالضفة الغربية للتعرّف على جودة الخدمات ضمن التأمين الصحي، والذين أكدوا أن تأمينهم من المخاطر المحتملة أولوية؛ إلا أن الإجراءات غامضة.

غزال:التأمين لا يمكّن مرضى السرطان من العلاج بشكل كامل، وحتى المتعافين/ات يضطرون للإنفاق من جيوبهم

تبيّن –وفقًا لغزال، التأمين لا يمكّن مرضى السرطان من العلاج بشكل كامل، وحتى المتعافين/ات يضطرون للإنفاق من جيوبهم، كما يرفض الأطباء التعامل مع صور طبية صادرة عن عيادات خاصة، كذلك تتفاوت التكاليف بين مدني وعسكري، وتضطر نسبة كبيرة من الناس للإنفاق من جيبها، مطالبين بتأمين شامل لفئات كبار السن وذوات وذوي الإعاقة وأصحاب الأمراض المزمنة.

الغول:إقحام الخدمات الصحة في أتون المناكفات السياسية واستنكاف العديد من الأطباء عن العمل تسبب في ضعف المنظومة الصحة

بدوره تحدث الباحث في الهيئة أحمد الغول عن الانقسام الفلسطيني وأثره على تقديم الخدمات الصحية، عن ازدواجية نظام التأمين الصحي نتيجة  الانقسام، وإقحام الخدمات الصحة في أتون المناكفات السياسية واستنكاف العديد من الأطباء عن العمل تسبب في ضعف المنظومة الصحة، إضافة إلى تعثّر خدمات العلاج بالخارج ومنع الكثير من المواطنين الحصول على جوزات سفر.

وأوصى بضرورة إنهاء الانقسام لضمان تمتع المواطنين بنظام التأمين الصحي دون تمييز وخاصة الفئات الهشة والضعيفة، وتحييد القطاع الصحي وعدم تعامل الحكومة في قراراتها مع الخدمة الصحية كردة فعل في إطار المناكفات السياسية، وما ينجم عن ذلك من تمييز بين المواطنين.

أما الحضور فقد ناقشوا ضرورة إقرار قانون تأمين صحي إلزامي وليس اختياري، وجعله حكومي تجاوزًا لتشتيت نظام التأمين الصحي الذي لا يراعي تقديم كل الخدمات ويكتفي بسقف محدد، تامين قائم على أساس المواطنة لا الفئة إعمالًا لمبدأ الحق في الصحة ليكون شموليًا ويحقق العدالة الاجتماعية.