قيادة المؤسسة الإعلامية في ظل التحول الرقمي
تاريخ النشر : 2021-01-12 12:34

 

تعد القيادة داخل المؤسسات بشكل عام ضرورة ملحة حتى تؤدي وظيفتها ومهامها بالشكل المنوط إليه، والمؤسسة الإعلامية لها خصوصيتها كونها تنتج معلومات بشكل ديناميكي ومتسارع، وهذا يفرض عليها أن تكون قادرة على مراعاة حاجة السوق والمستهلكين ضمن عمليات إنتاجها، والعالم الرقمي الجديد يُلزم المؤسسات الإعلامية إحداث تحولات جذرية في بنائها وتنظيمها، وثقافتها السائدة، لتكون قادرة على البقاء والاستمرارية في السوق المنافس، وباعتبارها تقدم محتوى إعلاميا موجها إلى جماهير ذات أذواق واهتمامات مختلفة يتطلب منها أن تحاكي هذا التطور من خلال إحداث تغييرات في آلية العمل وطبيعة المحتوى المنتج، وهذا يتطلب وجود قيادة إعلامية قادرة على التأثير في الثقافة التنظيمية السائدة، حتى تتكيف مع هذه التوجهات.

ويشير مفهوم القيادة إلى أنها العملية التي يتم من خلالها التأثير على الأفراد لجعلهم يرغبون في تحقيق أهداف المؤسسة، وتستند على قواعد ومبادئ على القائد أن يعتمد عليها ليكون قادرا على التأثير في الآخرين ويغير من سلوكهم الإداري بالشكل الذي يتناسب مع أهداف وطبيعة المؤسسة، وهي عملية إيجاد علاقات إيجابية مع المرؤوسين والعاملين لتحقيق التنافس لصالح العمل، وعملية تفاعل بين القادة ومجموعة الناس في موقف ما أثناء أداء العمل، يترتب عليه تحديد الأهداف المشتركة ثم العمل لتحقيق تلك الأهداف.

 والقائد في المؤسسة الإعلامية يعد العمود الفقري الذي تستند عليه في عملية وضع السياسات واتخاذ القرارات، ويتطلب منه أن يكون قادرا على الإشراف على نشاطات إدارة العمل الإعلامي وتوجيه أدواته، ورسم الخطط التي تسهم في رفع أداء العمل، والقدرة على اختيار الوسائل والأساليب المناسبة في التعاطي والتفاعل مع  الجماهير، إضافة إلى سرعة البديهة في  التحليل والتصور وابتكار الأفكار الخلاقة.

والقيادة في المؤسسة الإعلامية كما في غيرها من المؤسسات، يتطلب منها اتخاذ القرارات والقيام بالوظائف الإدارية من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة وتوظيف وتحفيز واتصال، ويستلزم منها النجاح في العمل الإعلامي لتحقيق المردود المادي، لأن العمل الإعلامي الناجح يتطلب تخطيط مسبق على أسس علمية ومنهجية لتجنب المشكلات التي قد تحدث وهذا يتطلب وجود هيكل عقلاني وقيادة قادرة على التحكم في الطاقات البشرية والمادية، وإقامة علاقات متينة ومستمرة مع المحررين ومع المحيط، إضافة إلى تشجيع الإبداع، للخروج بنتائج قادرة على أن تحاكي أهداف ورؤية المؤسسة.

وتعد الثقافة بشكل عام أحد أهم عناصر القوة في أي مؤسسة، وتعلب دورا بارزا في الطريقة التي يتم من خلالها اتخاذ القرارت، وتؤثر على العاملين في بينة المؤسسة، والثقافة التنظيمية تعد سلاحا ذو حدين في أداء عمل المؤسسة، إما أن تكون نقطة قوة ترتكز عليها المؤسسة أو على العكس من ذلك، فهي مجموعة من المعلومات والمعتقدات والفن والقانون الأخلاق والعادات وأي قدرات أخرى اكتسبها الإنسان بحكم عضويته في المجتمع.

والثقافة التنظيمية وإدراك العاملين بها يعد دورا مهما في بناء القيم السائدة، ودعم التوجه إلى المشاركة في عملية صنع القرار، ووضع السياسات العامة للمؤسسة، وتسهم في قيام منظومة اجتماعية متماسكة داخل المؤسسة.

وتتضمن الثقافة التنظيمية جوانب قيمة وإدراكية غير ملموسة، لكن في مجموعها تعمل على تحريك القيمة الجمعية للأفراد العاملين في المؤسسة وتوجههم خلال أداء العمل، وتشكل مناخ مؤسسي وتبني جسرا من العلاقات المتميزة مع غيرها من المؤسسات سواء الداخلية أو الخارجية، وبالتالي فإن اختلاف العناصر المشكلة للثقافة يقوم على عدد من الركائز أهمها الخصائص الفردية لدى كل فرد، ومدى العلاقة التي تجمع المؤسسة بالبيئة المحيطة بما يتناسب مع أهداف العاملين وتوجهات المؤسسة ذاتها، والثقافة الاجتماعية السائد أيضا.

ثقافة الرقمنة

إن طبيعة التغيرات الحاصلة في السوق العالمي، وظهور مزايا تنافسية جديدة، في ظل تصاعد أنماط المؤسسات المعقدة، تحتاج صعود قيادات جديدة تعتمد في سياستها على الابتكار ووضع أفكار إبداعية خلاقة قادرة على تحقيق التطور وإعادة بناء المؤسسة بما يتناسب مع متطلبات الوضع الراهن، إضافة إلى ضرورة وجود نظرة بعيدة الأمد قادرة على استشراف المستقبل؛ ووضع خطط وبدائل تحاكي تلك التغيرات والتحديات المتوقعة.

وتعيد ثورة الرقمنة التي يعيشها العصر الحديث صياغة العلاقات بين العملاء وأصحاب الأعمال والأفراد العاملين، في ظل تزايد مشاركة الناس حول العالم في الاقتصاد الرقمي، والاعتماد على التكنولوجيا في إنجاز العمل، وفرض هذا على قيادة المؤسسات الإعلامية إعادة النظر في لوائحها التنظيمية وثقافتها السائدة، حتى تكفل المنافسة وتخلق بيئة قادرة على استيعاب كل هذه التغيرات، وفي تقرير نشره معهد ماكينزي العالمي في العام الماضي أشار إلى أن نصف جميع الأنشطة مدفوعة الأجر سيتم تحويلها إلى نظام التشغيل الآلي باستخدام الروبوتات وتكنولوجيا التعليم الآلي والصناعي خلال فترة قصيرة من الزمن.

ونتيجة لذلك فإن المؤسسة الإعلامية بحاجة إلى إدخال تقنيات عالية في إطار العملية الإنتاجية وإعداد برامج تقنية ومعدات وأجهزة متطورة، وضرورة إعادة النظر في المحتوى الإعلامي الذي يتم إنتاجه، ويأتي ذلك من خلال خلق بيئة صلبة قادرة على استيعاب كل هذه التغيرات والتحولات، والتكيف معها بما يناسبها ويحفظ لها بقاءها في السوق المنافس وتحقيق الكفاءة في الأداء.

 ولا بد من القيادة في المؤسسة الإعلامية أن تراعي عند صياغتها للثفافة التنظيمية الجرأة والمخاطرة في طرح التغيير والاستفادة منها بدلا من اعتبارها تهديدا للثقافة السائدة،  وتجعل منها ثقافة قادرة  على المنافسة من خلال الإبداع والتطوير المستمر والسرعة في الأداء بأقصى طاقة ممكنة، إضافة إلى قبول المخاطرة والمبادرات المتواصلة وتقبل الضغوط والتعلم المستمر منها، والاعتماد على التدريب وتطوير العاملين، وزيادة موسوعتهم الثقافية والسلوكية والتنقية بما يتناسب مع كل المتغيرات.