سماح عرار تحمي هويتها بـ"إبرة وحرير"
تاريخ النشر : 2020-10-30 17:00

"لم أطمح إلى امتلاك قطعة مطرّزة ولا ثوب، ولم يستهويني الأمر مطلقًا حين كنت داخل وطني في رام الله ولكن؛ ما إن حطّت رحالي أرض الولايات المتحدة الأمريكية حتى بدأ الأمر يتغير تدريجيًا، وجدتني أبحث عن هويتي التي خشيت عليها من الغربة، فتعلّقت بالمطرزات، باغتني حبها حتى بات شغفي"، تقول الصحفية سماح عرار صاحبة مشروع إبرة وخيط الذي تعمل عليه في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي تفاصيل الحكاية؛ فقد سافرت سماح إلى أمريكا قبل أربعة أعوام، أحبّت التطريز الفلسطيني باعتباره هوية تعريفية لشعبها في ظل مخاطر سرقة الاحتلال الإسرائيلي والادعاء أنه له، تقول :"هنا شعرت أنه هوية تعريفية لي وكأنه الوطن أحمله معي أينما حللت".

تضيف: "لعله حب الوطن وهمومه وقضيته التي سيطرت عليّ هو من دفع بشكل مفاجئ لحب التطريز باعتباره تراث فلسطيني، يجب المحافظة عليه، في ظل محاولات الاحتلال المستمرة سرقة أي تراث أو تاريخ فلسطيني، وصل لحد سرقة أطباقنا الشعبية".

 تقول صاحبة مشروع إبرة وخيط: "أن يتحول الشغف من حياكة القصص الصحافية المختلفة للخيطان والألوان والتطريز أثار استغرابي في بداية الأمر لكنه تدريجياً تمكّن مني وأصبح جلّ اهتمامي وطموحي تطوير مهارتي في التطريز، واستخدام الخامات المختلفة حتى الغريبة منها"، وهذا جعل سماح أكثر تميزاً في عملها الجديد الذي اختارته لنفسها بعد استقرارها في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتكمل:" لم أتخيل يوماً أنني يمكن أن أصل بحب التطريز لحد الشغف، لكن وجودي في الغربة وامتلاكي الوقت الطويل من ناحية وتعرّضي لصدمة بالانفصال بعد فترة قصيرة من الزواج، مع وجود طفلة لا يمكن تركها بالمنزل والخروج للعمل، كانت دافعاً في بداية الأمر لقضاء وقت طويل في تطريز قطع صغيرة، أهديتها لصديقاتي سواء الأمريكيات أو حتى الفلسطينيات اللواتي ساعدنني في استكمال أوراقي وترتيب حياتي ما بعد الانفصال وهنا كانت البداية".

لم تكن عرار في بداية الأمر تجيد سوى الغرزة العادية المعروفة بغرزة إكس، لكن قناعتها أن من يجيد الرسم يمكنه أن يتعلم كل شيئ وأن يرسم بالإبرة والخيط وهو ما كان.

 بدأت عرار تهدي صديقاتها الأمريكيات والعربيات قطعاً من تطريزها الخاص، سرعان ما لمحت الإعجاب في أعينهن، مع تشجيع بضرورة عرض منتجاتها للبيع ضمن مشروع خاص، وهنا والحديث لعرار :" كان هذا الخَيار الأقرب للتنفيذ في ظل ظروفي الاستثنائية التي تمنعني من محاولة البحث عن عمل في مجال الصحافة، أو العمل خارج المنزل كوني أم لطفلة صغيرة".

بعد عامين من العمل المتواصل في مشروعها وزيادة الطلب، بالكاد تتمكن الشابة العشرينية من تلبية طلبات زبائنها المتزايدة، ولكن هذا شكّل دافعًا بالنسبة لها للمواصلة والاجتهاد أكثر، "لكل قطعة حكاية-والقول لسماح- "أرويها من خلال المطرزات، لا أقتنع بكل ما هو تقليدي، وأحاول الدمج بيم الكثير من الأشكال".

مع اختيار دقيق للألوان، تروي حكاية الحب والأمل والفرح والحياة، بعروق مختلفة تروي حكايات الوطن وهمومه، فهي لم تكتفِ لم بتطريز القطع العادية، بل حملها حب التجربة وشغف التطوير إلى التطريز على قشور المانجا، وأوراق نبتة الذرة، وإعادة تدوير المخلفات.

عن هذه التجربة تقول:" كان لدي خوف من تلف القشور والأوراق بعد التطريز عليها، ويضيع تعب خمس ساعات من التطريز هباء منثورًا، لكن قناعتي بأن كل شيء يُبنى على التجربة والمجازفة كان دافعي للمواصلة.

عن المعيقات التي واجهتها قالت:" أكثر معيق في مشواري بعالم التطريز افتقار أمريكا لخيطان الحرير ذات الجودة العالية، الأمر الذي يضطرني كل فترة لطلب الخيوط من فلسطين ما يشكل عبئاً مالياً من حيث تكلفة الشحن".

وتعزو عرار نجاحها وتميزها لدعم زوجها الذي يشاركها اهتمامها ويعنى بإرسال الطلبيات مؤكدة أن دعم الأسرة مهم في استمرار المرأة ونجاحها.

تطمح عرار لعمل كتاب مطول تجمع فيه بين الحديث عن التطريز التقليدي، عالمه وفنونه، تاريخه،
 إلى جانب تجربتها الخاصة في التطريز والذي رسوماتها الخاصة ومطرزاتها التي تعبر عنها، كما يقع ضمن اهتمامات عرار في الفترة المقبلة حال انفتحت الحياة أن تتعلم فنون تصميم الأزياء والخياطة، وأن تصل لأن تصمم الثوب بنفسها وتحكيه من ألفه إلى يائه.

تفخر سماح عرار بشال تحرص على ارتدائه في كل مناسبة، لا يخلو أي جزء فيه من التطريز، عنه تقول:" استمر العمل في تجهيزه 500 ساعة كاملة، وهو أول قطعة نفذتها بعد انفصالي عن زوجي الأول، كان لدي فراغ كبير في الوقت والحياة، فكرت في تفريغ كل ما بداخلي فوجدت في التطريز ضالتي الضائعة، خلال العمل في هذا الشال بدأت تعود إلى نفسي، ووصلت إلى قناعة بأن الحياة فيها مدى كبير ولا تتوقف على شيء، وهناك دوماً بداخل الإنسان جديد يمكن أن يكتشفه ويذهل الآخرون".