الممنوع يلاحقنا حتى في الحيز الضيق..
تاريخ النشر : 2020-10-23 11:08

رام الله:

 كم هو ضيق ومكبلٌ بالقيود هذا الفضاء الرحب حين ننشد حريتنا، تقول لوحات معرض "المساحة الشخصية" للفنانة لينا بني عودة الذي افتُتح في "المستودع" بمدينة رام الله.

قاتمة وشفيفة ومخفية، ثلاث حالات ظهرت فيها صاحبة المساحة وأظهرتنا، لكنها لم تكن الحالات الوحيدة الحاضرة في لوحات المعرض الـ 26، فالصور الغائبة من مشهد الرسم كانت طاغية الحضور، وبدا حَجبُ الملامح كلعبة قبولٍ ورفضٍ قاسيةٍ لكل الوجوه.

العلاقة الخاصة مع الذات هي النقطة المحورية في المعرض الفردي الأول للفنانة لينا، وتعود مجموعة الأعمال هذه إلى وقتٍ احتاجت فيه الفنانة للبحث عن ملاذٍ لمحاولة الخلاص من طغيان المساحة العامة، بعيداً عن توجيهات المجتمع وإملاءاته.

وجاءت هذه المجموعة نتاج لحظاتٍ خالصةٍ خاصة، هربت فيها الفنانة من المجتمع ونظرته، وانحصرت المساحة التي جسدتها في لوحات معرضها هذا بحدود البيت وجدرانه، وما دون ذلك حتى، فيما جاءت صور الأجسام التي ضمتها اللوحات "مبتورة"، وكأن الممنوع يُلاحقنا حتى في الحيز المحدد والضيق الذي نلجأ إليه لاستراحة عابرة.

هكذا، في مثل هذه البيئة، تذوي الرغبات والحقوق الإنسانية الفردية البسيطة، وتضمحل الأحلام، لتصبح مجرد دائرةٍ وهميةٍ بامتداد ذراع واحدة، يرنو الفرد لامتلاكها كلياً في الأماكن العامة، دون أن يقترب أو ينتهكها أيُّ شخص، ما لم تتم دعوته لدخولها، ودون إغفال أنّ تَحقق ذلك لا يعنى بلوغ الراحة التامة، فالفرد ابن الفضاء العام وأسيره، وهو صاحب السطوة في تحديد سلوك الفرد وثيابه وخطابه.

ولاستراحةٍ عابرة، تصبح المساحة الشخصية ملاذاً مُلحاً يطلبه الجميع، ففيها تكون أصالة الذات الصادقة المجردة، ويَصل فيها الفرد إلى التوازن ويستعيد "الأنا" كاملةً دون نُقصان، ويحظى بفرصته للخلاص من عبء متطلبات المجتمع.

وفي المقابل، فإن التباعد حين يُصبحُ إلزامياً (ليكون المتران شرطاً قانونياً وأخلاقياً) تُصبح المساحة الشخصية متعبةً وثقيلة.

لوحات المعرض التي أنجزتها الفنانة لينا عام 2016 جاءت مثقلةً بالقلق والخوف والحزن والجموح نحو الحرية، وبدت كصرخة صامتة لكسر سياجٍ يٌكبل الحيز الخاص بالتابوهات والمحظورات والمطلوبات، امتثالاً للمجتمع، بل رهبة من سطوته.