"الخُردة".. لقمةٌ "مُرَّة" في أفواه العاطلين عن العمل
تاريخ النشر : 2020-10-22 07:16

بعد مضي (50 يومًا) وزيادة، على فرض حظر التجول في قطاع غزة بسبب جائحة "كورونا"، استأنف أحمد السيد (٣٥ عامًا) عمله في مهنة جمع "الخردة"، ليبدأ يومه الشاق كما المعتاد مع شروق الشمس. 

يجرُّ عربته المكونة من أربع عجلاتٍ ومصطبة خشبية، بين أزقة مخيم النصيرات، وسط القطاع، يحمل عليها كل ما يصادفه في طريقه من "خردة"، ثم يعود إلى منزله مساءً فيبدأ بعملية فرزها حسب الجودة والنوع، ليأخذ الصالح منها ويبيعه على الفور لأحد التجار بمبلغ (20 شيقلًا) يحصل عليها بعد الكثير من التبخيس والإلحاح. 

يقول الشاب بينما العرق يتصبب من جبينه: "لا يوجد مهنة غير شاقة، لكن ما يخفف التعب أنه في نهاية اليوم، أجد رزقًا أؤمن من خلاله قوت عيالي (..) أنا أبٌ لسبعة أفراد، وليس لدي عمل سوى هذه المهنة". 

يمتهن أحمد جمع الخردة منذ 5 سنوات، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، إلا أن "هذه المهنة" أيضًا، لم تنجُ من احتكار بعض التجار لها.

يمتهن أحمد جمع الخردة منذ  5سنوات، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، إلا أن "هذه المهنة" أيضًا، لم تنجُ من احتكار بعض التجار لها، "بل إنهم يجنون من ورائها الكثير من الأموال، فقط العمال أمثالي يحصلون على الفتات". 

ووفق الباحث الاقتصادي حسن الرضيع، فإن الخردة وجدت رواجًا في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة، "لا سيما مع تكرر الاعتداءات الإسرائيلية، وما تخلفه من أطنان المواد الصلبة بأنواعها"، ما جعل الكثير من الغزيين يجدون في هذه المهنة ملاذًا لهم في ظل البطالة المستشرية التي ارتفعت إلى نسبةٍ تزيد عن 50%، ناهيك عن الفقر المدقع. 

غزة تحتوي على آلاف الأطنان من البلاستيك، والنيكل، والرصاص، والقصدير، والألمنيوم، وتفتقر لإمكانات صهرها والاستفادة منها، "لذلك فكرة التصدير إلى أراضي الداخل المحتل، تصبح مجدية.

ويؤكد الرضيع أن بيع الخردة "مربح"، ويطلق عليه اقتصاديًا مصطلح "الاقتصاد الأخضر"، مبينًا أن غزة تحتوي على آلاف الأطنان من البلاستيك، والنيكل، والرصاص، والقصدير، والألمنيوم، وتفتقر لإمكانات صهرها والاستفادة منها، "لذلك فكرة التصدير إلى أراضي الداخل المحتل، تصبح مجدية، بسبب وجود مصانع لإعادة صهرها هناك".

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، سمحت بتصدير الحديد الخردة من قطاع غزة إلى أراضي الداخل المحتل، مطلع أكتوبر الجاري، ما من شأنه وفق توقعات وزارة الاقتصادي، توفير سيولة مالية للتجار بهذا المجال، وفتح مجالات عمل جديدة، سواءً في جمع الحديد وكبسه ثم تصديره.

ومنذ عام 2014م، منَعَت "إسرائيل" توريد الخردة من غزة، مما أدى إلى تراكم أطنان منها، خاصةً من معدن الحديد.

ومنذ عام 2014م، منَعَت "إسرائيل" توريد الخردة من غزة، مما أدى إلى تراكم أطنان منها، خاصةً من معدن الحديد. لكن الوزارة أكدت مؤخرًا وجود تنسيق مستمر بين الوزارة والجهات المختصة واللجنة المنتخبة من تجار الحديد والخردة، لتسهيل أي إجراءات، وتحديد أدوار تصدير الخردة للخارج، من أجل تحقق العدالة والمساواة". 

وبينت أن كمية الحديد الخردة الموجودة بغزة تقدر بحوالي 170 ألف طن، وهي بحاجة إلى التصدير، مشيرةً إلى أن العاملين بهذا المجال يقومون بجمع حوالي 150 طنًا يوميًا منها. 

ولا تقتصر تجارة الخردة على الشباب في قطاع غزة، فهناك نساء يعملن فيها كمصدر رزق. الخمسينية  فتحية سليمان من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تخرج يوميًا للعمل برفقة أبنائها، لإعالة أسرتها المكونة من تسعة أفراد وزوجها المريض. 

تقطع مسافات طويلة متنقلة بين أزقة المخيم وأحيانًا خارجه، بضوابط معينة غير التي اعتادت عليها سابقًا، مرتديةً الكِمامة والقفازات، كإجراء وقائي، وتبدأ بجمع ما تتعثر به في طريقها من خردة، تضعها آخر النهار في كيس "الخيش"، وتبيعها للتجار الذين يقومون بدورهم بتحديد طبيعة استخدامها فيما بعد.

ووفق ما شرحت الخمسينية، فإن ما تجنيه يوميًا من هذه المهنة، يتراوح ما بين 15-20 شيقلًا، إلا أنه قادر على تأمين متطلبات عائلتها.

ووفق ما شرحت الخمسينية، فإن ما تجنيه يوميًا من هذه المهنة، يتراوح ما بين 15-20 شيقلًا، إلا أنه قادر على تأمين متطلبات عائلتها كما تؤكد.

وتوضح أن طبيعة مهنتها لا تخلو من التحديات التي تكمن في العشوائية، والتزاحم بين جامعي الخردة، لجمع أكبر كميةٍ منها وبيعها، "كذلك استغلال بعض التجار لحاجتنا، وشراء البضاعة منا بمبلغ بخس" تعقب.

ومن ناحية الجدوى البيئية لهذه المهنة، يشير أحمد حلس إلى  أن قطاع غزة ينتج يوميا قرابة الـ2000 طن من النفايات الصلبة، التي تشكل ما نسبته 60% منها "موادًا عضوية" تسبب مكرهة بيئية، وتعد ناقلةً للأمراض، بينما تتكون ما نسبته 16% منها من البلاستيك، بما يعادل 400 طن و11 ألف طن نايلون. 

وقال: "هناك 71 مصنعًا بغزة، يعمل على إعادة التدوير، لكن ما يتم تدويره لا يشكل سوى 10% من معدل  النفايات الصلبة هنا، وهذا قليل جدًا". 

وعن كميات الحديد والمعادن "الخردة" بيّن  أنها تشكل قرابة  4% من كمية النفايات الصلبة، التي تشكل  ثروة اقتصادية مهمة، لا سيما "علب الكوكاكولا" التي يقوم العاملون بجمعها من الشوارع، لإعادة كبسها وتصنيعها. 

عمليات جمع  المعادن والحديد بغرض  تصديرها أو إعادة تدويرها، تشكل منفعة كبيرة للبيئة، وتساهم في التخلص من تكدس النفايات الصلبة، لا سيما في المناطق الشرقية.

ووفق حلس، فإن عمليات جمع  المعادن والحديد بغرض  تصديرها أو إعادة تدويرها، تشكل منفعة كبيرة للبيئة، وتساهم في التخلص من تكدس النفايات الصلبة، لا سيما في المناطق الشرقية، في ظل المساحة الضيقة للقطاع، وحماية البيئة من التلوث كونها تحتوي على نسبٍ عالية من العناصر السامة الثقيلة، كـ "أكاسيد الحديد"، التي تضر بصحة الإنسان، والتربة، والهواء.