هل تحقق قطر ما عجز عنه الآخرون في الملف الفلسطينى؟
تاريخ النشر : 2020-09-22 14:46

 

منذ عقدين ونيف وتسعى دولة قطر لتوسيع نفوذها ولعب أدوار إقليمية في عدة ملفات شائكة وتنافس السعودية ودول إقليمية في القيام بهذه الأدوار؛ وكذلك تقيم علاقات مع أطراف متناقضة كعلاقتها مع حماس وإسرائيل؛ وإيران والولايات المتحدة؛ ودعمت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر للوصول لسدة الحكم وجبهة النصرة في سوريا والحوثيين في اليمن، وقد هددت بهذه السياسات أمن بعض الدول وأثارت حفيظة الدول المجاورة لا سيما السعودية ومصر؛ ولكنها لم تكترث وما زالت تمارس نفس السياسيات بتحالفها المركزى مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد حققت نجاحات في بعض الحالات مثل تدخلها بالوساطة ما بين حركة طالبان وواشنطن؛ والهدنة ما بين حركة حماس وإسرائيل، ولكنها على صعيد آخر فشلت في تثبيت جماعة الإخوان في الحكم؛ علما بأنها إلى الآن نجحت في وقف إصدار قرار من البيت الأبيض باعتبارها جماعة إرهابية والحديث يطول في حالات النجاح والفشل القطرية.

ولكن ما نود تسليط الضوء عليه دورها في الملف الفلسطيني بين الأطراف الفلسطينية؛ فعلى صعيد علاقتها مع حركة حماس التى برزت بعد فوز حماس في انتخابات 2006؛ وقد جد الطرفان أنهما بحاجة بعضهما ببعض؛ فحماس بحاجة لدعم مالى وسياسى وقطر بحاجة لدور في الملف الفلسطيني؛ وقد أخذت العلاقة منحى أوسع بعد عدوان 2008 على غزة حيث عقدت قمة الدوحة التى قدمت منحة مالية لغزة قيمتها 250 مليون دولار وتواصل الدعم المالى لحماس في غزة، وتطورت ما بعد الربيع العربى، ونقل السيد خالد مشعل والمكتب السياسى مقر إقامتهم إلى الدوحة بعد إعلانهم دعمهم للثورة السورية؛ والذى جاء بناءً على لقاء سابق ما بين مشعل وأمير قطر الذى حثه على اتخاذ هذا الموقف؛ وقد نشرت عدة مراكز ما دار في هذا اللقاء؛ وما نشب عنه من اختلافات داخل حركة حماس، وبعدها تتالت النصائح القطرية لحماس والتي دفعتها فيما بعد بتعديل ميثاقها من الدوحة عام 2017 معلنة وثيقتها الجديدة، وكانت الخطوة الأولى لحماس للتراجع خطوة للوراء نحو إمكانية القبول بحلول سلمية؛ وكان نسخة من النقاط العشر التي تبنتها منظمة التحرير في ثمانينيات القرن الماضى، ولم تتوانى قطر عن مد يد المساعدة مالية والسياسية لحركة حماس لتثبيت حكمها في قطاع غزة، ومارست الوسيط بينها وبين إسرائيل منذ عدوان 2014 حتى الآن، وتعمل على تثبيت التهدئة بين الطرفين مقابل تقديم معونات إنسانية وإغاثية وصلت إلى مئات الملايين إلى غزة حسب تصريحات قيادتها. وكذلك علاقتها مع السلطة الوطنية الفلسطينية متينة وداعمة لها بمئات الملايين؛ وكان آخرها استعدادها لتقديم قرض لمساعدة السلطة على تجاوز الأزمة المالية الحالية حينما رفضت دول عربية أخرى مساعدة السلطة لاجتياز أزمتها المالية لاجبارها على القبول بصفقة القرن؛ والتي ترفضها القيادة الفلسطينية وما زالت متمسكة بموقفها الشجاع الرافض رغم كل المضايقات الممارسة ضدها، وكذلك تشيد السلطة بموقف قطر الثابت تجاه الحقوق الفلسطينية، ولم تتوقف الزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين، وحفاوة الاستقبال لا تشير إلى أن قطر تساهم في ترسيخ الانقسام بدعمها لأحد أطرافه بتثبيت حكمهم في غزة . وعليه تحافظ قطر على علاقة جيدة مع كافة الأطراف المؤثرة في الملف الفلسطيني. وبالنظر للدور الوظيفى الذى تقوم به قطر والمكلفة به من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهى القناة الخلفية لأمريكا في عدة ملفات دولية سابقة؛ ولا تقوم بأى عمل إلا بالتنسيق والمباركة الأمريكية، وقد أكدت دورها هذا وسعيها الدائم لكسب رضا الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة؛ وكان أخرها البيان المشترك الذى صدر عن الولايات المتحدة وقطر قبل أيام، وناقش فيه الجانبان كيفية توظيف الوسائل الدبلوماسية لحل التوترات الحالية في المنطقة، ومنها أفاق حل تفاوضى للصراع الاسرائيلى الفلسطيني على النحو المبين في الرؤية الأمريكية للسلام، وكذلك شاطرت الولايات المتحدة قطر قلقها بشأن الوضع الانسانى في غزة والحاجة إلى خطوات ملموسة لتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية. وكما نعلم الدول لا تقدم المساعدات المالية هبات بل لتحقيق غايات وأهداف سياسية، وفى ظل هذا التقارب القطرى الحميم مع أصحاب القرار في الملف الفلسطيني وتصريحاتهم بالاشادة بقطر ودورها المتقدم في القضية الفلسطينية في حين تخلى الآخرين عنها وسعوا لاقامة علاقات علنية مع اسرائيل.

وبناءً على ذلك كله هل سنشهد تحولات ملموسة على الساحة الفلسطينية الداخلية بجهود قطرية في الوقت القريب ؟ وهل أصبحت قطر مكلفة باستخدام الجزرة مع الفلسطينين لإقناعهم بالعودة إلى المفاوضات وفق صفقة القرن؟ أو وفق رؤية قد تكون طور الإعداد بتوضيحات أو ملاحظات فلسطينية على الصفقة وموافقة أمريكية؛ خاصة أنه خرجت عدة تصريحات من البيت الأبيض تدعو القيادة الفلسطينية للعودة للمفاوضات والاستماع لما لديهم من ملاحظات، وكذلك كان لنتنياهو تصريح قبل أيام بأن الفلسطينيين سيعودوا لطاولة المفاوضات في حال فوز ترامب في الجولة الانتخابية الثانية. ولربما يسبق ذلك ترتيب للبيت الفلسطيني الداخلى؛ وقد نشهد غياب قيادات سياسية مؤثرة في القرار الفلسطيني لاستكمال المشروع الأمريكي الاسرائيلى في المنطقة. تساؤلات كثيرة تدعو للتفكير بشكل عقلانى بعيداً عن الغوغائية والشعارات المستهلكة البالية ... وقد تحمل الأيام القادمة إجابات لهذه الأسئلة.