اجتماع الأمناء العامين... هل يمكن أن يشكل نقطة تحول؟
تاريخ النشر : 2020-09-10 21:19

يحمل اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي عقد قبل أيام، فرصة أكبر للنجاح مقارنة بغيره من مبادرات المصالحة والشراكة السياسية السابقة. وتتمثل تلك الفرصة في وجود رغبة ونية حقيقية لدى حركتي فتح وحماس لتحقيق هذا الاختراق السياسي. فجاءت هذه المبادرة من قبل حركة فتح، دون تدخلات أو وساطات خارجية، كما كان في الماضي، ولاقت اهتماما وترحيبا لافتا من قبل حركة حماس. وتعد المرونة التي أبداها طرفا المعادلة السياسية الفلسطينية الرئيسيين في تجاوز أي عقبات تقف في طريق التفاهمات المشتركة بينهما وتمرير البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامين دون اعتراض أحد من المشاركين، وبما يختلف عن برامجها الخاصة، من بين المؤشرات الهامة التي تعكس تلك النية والرغبة في احداث هذا الاختراق السياسي.

وتوجت تلك النية والرغبة لدى حركتي فتح وحماس بانعقاد اجتماع الأمناء العامين مطلع الشهر الجاري، ضمن سلسلة متسارعة من اللقاءات التصالحية بين الحركتين بدأت فقط قبل شهرين من انعقاده. فاستهلت تلك القاءات بشكل علني في المؤتمر الصحفي المشترك بين جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مطلع شهر يوليو الماضي. واتبعت بفعاليات مشتركة بالتوازي ما بين غزة والضفة في أريحا وترمسعيا. والحقت باجتماع القيادة الذي عقد في المقاطعة بمشاركة حركتي حركة حماس والجهاد بالإضافة إلى قوات الصاعقة. واختتمت باجتماع الأمناء العامين، الذي قد يشكل نقطة تحول في منظومة العمل السياسي الفلسطيني.

ورغم أن قضية الاطار القيادي الموحد والمكون في الأساس من الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ليست جديدة؛ فأقر الاطار القيادي الموحد عام ٢٠٠٩ ضمن تفاهمات المصالحة بين حركتي حماس وفتح في حينه وعقد اجتماع واحد لهذا الاطار عام ٢٠١١؛ الا أن عوامل تشكيل هذا الاطار هذه المرة وعلى رأسها المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، هي التي يمكن أن تجعل منه اطاراً قابلاً للحياة. فتبنى اجتماع الأمناء عنواناً رئيساً لانعقاده تمثل بالتصدي لصفقة ترامب للسلام ومخطط الضم الصهيوني ومخطط التطبيع الإسرائيلي مع دول عربية، ليعكس حالة من الاجماع الفلسطيني للتصدي لهذا الخطر الوجودي ضد الشعب والقضية الفلسطينية.

جاءت رغبة القيادة الفلسطينية لتحقيق الوحدة والمصالحة من أجل مواجهة ذلك الخطر الوجودي، ذلك الخطر الذي يجعل من الصعب على حركة حماس التنصل من التزاماتها الوطنية لمواجهته، خصوصا في ظل الإقرار بدورها ومكانتها الوطنية والسياسية. فقرار المصالحة ووحدة الصف والقرار الفلسطيني بات ضرورة وطنية لمواجهة خطر تصفية القضية الفلسطينية. وترجم اجتماع الأمناء العامين ذلك التوجه بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها تلك التي لا تنضوي تحت مظلة منظمة التحرير. فأقر هذا اللقاء بمكانة ودور الفصائل الفلسطينية المختلفة وعلى رأسها حركة حماس، التي طالما تطلعت لان تمثل في اطار منظمة التحرير ضمن وزنها وثقلها السياسي. فجاءت كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بعد كلمة الرئيس محمود عباس مباشرة في ذلك الاجتماع.

إن وحدة الهدف الفلسطيني حيدت التناقضات بين حركتي فتح وحماس كما حيدت تأثير الحلفاء الإقليميين السلبي لتقويض المصالحة. فتدعم إيران وحلفاؤها في المنطقة التوجه الرادع للسياسات الإسرائيلية والأمريكية فيها، الامر الذي يفسر دعمها لقرار الوحدة الفلسطيني لمواجهة الخطر الإسرائيلي الأمريكي. كما تنتقد تركيا بشكل علني خطة ترامب للسلام ومخطط الضم الإسرائيلي، ودعمت قرار الفلسطينيين بالمصالحة للتصدي للمؤامرة الاسرائيلية الامريكية. وتتعارض سياسات قطر وتركيا في المنطقة مع سياسات دولة الامارات، فجاء التطبيع الاماراتي مع إسرائيل، ليعزز من الدعم التركي القطري لتوجهات المصالحة الفلسطينية المعادية لسياسات التطبيع عموما.

إن إقرار التفاهم والمصالحة بين حركتي حماس وفتح، واتفاقهم الفعلي سيعلن مرحلة سياسية جديدة تقوم على التفاهم والتعاون. وهذا ما عكسه البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامين الذي أبرز ضرورة اللقاء والاجتماع بين الفصيلين الرئيسيين في البداية، لان التفاهم بينهما هو بوابة العبور الحقيقية نحو المصالحة والقرار الفلسطيني المشترك. فالحاجة لانضاج آليات التعايش والتكيف مع خصوصيات الواقع الفلسطيني الذي جاء بعد الانقسام أوجب وضع قرارات ذلك الاجتماع في مرحلة تالية لترجمة مخرجات وقرارات اجتماع الأمناء إلى آليات عمل تنفيذية عبر تشكيل ثلاث لجان هي: لجنة القيادة الموحدة للمقاومة ولجنة خاصة بالمنظمة وثالثة خاصة بالمصالحة. فهل تنجح هذه اللجان هذه المرة، فيما لم تنجح به لجان سابقة، باحداث الاختراق المطلوب للانطلاق نحو مرحلة فلسطينية جديدة؟

تجاهل اجتماع مجلس الامناء ابراز قضية الانتخابات، رغم مركزيتها لتمكين المنظومة السياسية الفلسطينية، في اطار الحديث عن دولة فلسطينية وتفعيل دور منظمة التحرير، خصوصا في ظل تركيبة حزبية فلسطينية لم تعد تعكس الواقع السياسي الفلسطيني الحالي. فلم تركز كلمة الرئيس محمود عباس أو كلمة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في اجتماع مجلس الأمناء على قضية الانتخابات عموماً. كما لم يعط البيان الختامي لذلك الاجتماع أهمية للانتخابات التشريعية او الرئاسية أو في اطار منظمة التحرير. كما لم تعكس تركيبة اللجان التي تم التوافق على انشائها، أي اهتمام لهذه القضية. فعبر البيان عن قضية الانتخابات من خلال جملة واحدة تعكس مبادئ عامة، يقر بها الجميع. الا أن جبريل الرجوب صلاح العاروري ركزا خلال لقاءات إعلامية، جاءت بعد اجتماع الأمناء على هذه القضية بشيء من التفصيل. ورغم تركيز البعض خلال اجتماع مجلس الامناء على إمكانية التوافق بين الفصائل الفلسطينية كبديل عن الانتخابات، الا أن ذلك لا يعد مخرجا مقبولا بعد كل هذه السنوات من الجمود السياسي والتبدل في تركيبة المجتمع الفلسطيني وفي ظل وجود بدائل حديثة ومتعددة تسمح باجرائها.

تبقى المصالحة والقرار الفلسطيني الموحد الداعم الأول لمكانة الفلسطينيين وتعزيز قدرتهم على المواجهة والتصدي. فالمصالحة لن تلغ فقط مظاهر الانقسام السياسي بل والمجتمعي أيضاً، والذي لم يكن الا مظهرا تابعا ومحكوما بمعطيات الانقسام السياسي. وعلى الرغم من مساعي إسرائيل الدؤوبة لتقويض أي مساعي تصالحيه فلسطينية، وقدرتها كقوة احتلال على تعطيل التواصل بين جانبي وقطبي الوطني، ونجاحها في شحن الكثير من دول العالم خصوصا الغربي منها ضد حكومة الوحدة الوطنية عام ٢٠٠٧ لمشاركة أعضاء من حركة حماس في عضويتها. الا أن الفلسطينيين يمكنهم تجاوز ذلك بالمضي قدما بتفعيل قرار المصالحة الفلسطينية، والتأكيد على المشاركة الجماعية في صنع القرار في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتوزيع تنفيذ الأدوار السياسية والنضالية بين الفلسطينيين في فلسطين وخارجها، وكل في مكانة، ليتحمل الجميع دوره في النضال الفلسطيني، لكن دون خسارة لدعم المجتمع الدولي، الداعم للحقوق الفلسطينية، بالاستفادة من التجارب السابقة.