الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي في الميزان الاستراتيجي
تاريخ النشر : 2020-08-29 18:49

أعترف أني شعرت بالغضب الشديد من إعلان خطوة التطبيع الإماراتية الإسرائيلية، فمهما كان من أمر الموضوعية في التحليل السياسي أو الواقعية ، لا يمكن للإنسان الا ان يكون إنسانا فما بالك لو كان فلسطينيا أيضا من جيل نشأ على عمق عروبة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ومقولاته :"إيماننا بقضية فلسطين بعض من إيماننا بعروبتنا تاريخاً ونشأةً وكياناً"، وراهن على استمرارية خلفائه في هذا النهج الذين قالوا " قضية الشعب الفلسطيني قضيتنا والأرض هي أرضنا" .

وما نسمع مؤخرا من أصوات نشاز حول استبدال حق بباطل فهو إفراط في السذاجة السياسية ولا ينم عن علم. فأوروبا مرتع الحروب والخلافات في الماضي هي أوروبا نفسها اليوم لأن الحتمية الجغرافية والتاريخية والثقافية تجبرها على التعاون والتحالف فيما بينها .. وأمريكا كذلك وآسيا وأفريقيا .. وفلسطين والقدس ليستا قضية أرض عربية فقط بل مرتكز الامن القومي العربي.

وعلى وجه العموم لكل زمان حسابات، وخطوة التطبيع هذه جديرة بالتحليل والقياس في الميزان الاستراتيجي الدولي على قدر ما يسمح به حجم المقال، وهي كما يعلم الجميع ليست اتفاق سلام لأنها ببساطة لم تنه حرباً لم تكن أصلاً، ولكن لأن اسرائيل دولة غريبة على الاقليم بهويتها وكينونتها ومحتلة لأرض عربية والطبيعي أن جميع الدول العربية في حالة حرب معها، فقد تم تسمية الاتفاق سلاماً - مجازاً. والأقرب لما يصدر عن حيثياته وتداعياته أنه تحالف جديد في اطار ترتيب المستقبل في الشرق الاوسط والمصلحة المشتركة بين طرفيه.

فمنذ سنوات شهد الدور الإماراتي تحولاً محوريًّا تمثل في الخروج من سياسة الظل التي كان يحرص عليها الى سياسة المواجهة المباشرة ، بفعل عدة عوامل أهمها: تزايد التهديدات الايرانية واتساع مساحة نفوذها في ساحة الفوضى الشرق أوسطية، وتحولات الدور التركي والتحالف مع قطر وجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر من ألد أعداء الامارات، تزامنا مع أمر يكاد يكون الأكثر أهمية وقلقا بالنسبة للإمارات وشقيقاتها من الدول الخليجية وهو تراجع الوجود الامريكي في المنطقة (صمام الأمان تاريخيا ضد أي تهديد يواجه هذه الدول) وإصرار الولايات المتحدة على اتباع سياسة العودة للوطن وترك الدول تتكفل بأمنها.

كل هذه الامور أدت إلى تصعيد حتمي لمساحة الدور الاماراتي كما شهدنا في اليمن وسوريا وليبيا ومصر. وتأتي العلاقة مع تل أبيب (التي تشارك أبوظبي القلق والشعور بالتهديد من العوامل السابقة) لضمان حليف قوي في ضوء الترتيبات والمتغيرات الجديدة في المنطقة من جهة، والحرص على باب مفتوح دائم في البيت الابيض من جهة أخرى بناء على قاعدة عالمية مفادها أن الاقتراب من اسرائيل يسهّل التعاطي مع الولايات المتحدة.

أما اسرائيل فبالإضافة للفوائد الاستراتيجية المشتركة التي ستنشأ من تحالفها مع الامارات اقتصاديا وسياسيا وطاقويًّا، فإن هذه الخطوة ساهمت في إعطائها شرعية تحتاجها وفي دخولها المعترك الاقليمي من أوسع أبوابه كعضو طبيعي معترفا بل ومرغوبا به من قبل دول المنطقة!

الأهم أن اسرائيل وهي تتفاخر معلنة الاتفاق مع الامارات عينها على الفلسطينيين لأنهم طرف المشكلة الحقيقي والقائم، والمعادلة التي تحكم العلاقة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي هي أن كل مكسب لها خسارة لنا.. الساحات الفارغة لا تنتظر طويلا!

__________

نقلًا عن صحيفة القدس