"التنمر المدرسي".. غراسُ الأسرة حين يُزهر "شوكًا"
تاريخ النشر : 2020-03-02 20:49

غزة/ شبكة نوى-فلسطينيات: نشأت الطفلة سجى في أسرةٍ تعاني من العنف شرق غزة، وما إن بلغت العاشرة، وأصبحت في الصف الرابع الابتدائي، حتى تفاقم وضعها النفسي، فصارت -على غير وعي- تنتف خصلات شعرها حتى ظهرت في رأسها بقعٌ صلعاء، ما عرَّضها إلى فصولٍ من التنمر داخل الفصل وخارجه.

اختارت سجى أن تقضى وقتها في غير الحصص الدراسية داخل الحمّام، بعيدًا عن ضحكات صديقاتها وعباراتهن الجارحة، وإشارات أصابعهن الساخرة، وحين تعود إلى أمها تشكو لها ما تتعرض له، فتكون الحلول المتاحة أمامها إما نقلها من فصلٍ إلى آخر، أو توبيخ التلاميذ الذين يتعرضون لها.

 هذه الحكاية، هي واحدة من حكايا عديدة يمكن تصنيفها تحت عنوانٍ واحد هو: "التنمر داخل المجتمع الفلسطيني"، هذا العنوان الذي صار يؤرق الكثير من الأهالي والمهتمين بالشأن التعليمي والتربوي، لما يمكن أن يخلفه من تبعيات عدوانية، يمكن أن يكون لها تأثيراتها المدمرة على نفسيات الأطفال والمراهقين.

معاناة

تقول والدة سجى لشبكة "نوى": "تواصلتُ مع المرشد النفسي في المدرسة، فحاول مساعدة سجى في تخطي أزمتها النفسية بدءً من حالة نتف شعر رأسها، مرورًا بمحاولة تشكيل بيئة مدرسية مريحة لها طوال فترة الدوام المدرسي، لكن والدها الذي يمارس العنف على كل أفراد العائلة، يعيق عملية علاجها" تصمت قليلًا قبل أن تواصل: "أشعر بأنني أفقد ابنتي، أراها شخصًا مدمرًا نفسيًا، لكني سأواصل علاجها برغم كل الظروف التي تحيط بي".

يعاني حسن هو الآخر من تنمر ثلاثة أطفالٍ من طلاب الصف السادس الابتدائي عليه، بعد أن استغلوا ضعف شخصيته في الدفاع عن نفسه.

أما حسن الذي يبلغ من العمر (13 عامًا)، فيعاني هو الآخر من تنمر ثلاثة أطفالٍ من طلاب الصف السادس الابتدائي عليه، بعد أن استغلوا ضعف شخصيته في الدفاع عن نفسه، فصاروا يعترضونه وقت الفسحة يوميًا، أو في نهاية الدوام، "فيضربونه أو يأخذون كل ما معه من أطعمة ومسليات عنوة" تقول أمه.

وتضيف: "هؤلاء الثلاثة حولوا حياته إلى رعبٍ دائم، لا يريد الذهاب إل المدرسة، غيابه المتكرر أثر على تحصيله الدراسي، حاولتُ مع المرشدة الاجتماعية أن نحل المشكلة، لكن بيئة الطلاب العنيفة على الأغلب تعرقل حل الأمر دائمًا".

تعقب المرشدة المعالجة لحالة حسن على كلام أمه فتقول: "حين نناقش قضية التنمر مع الأهل، نجد أن الأهل على الأغلب هم من يشجعون الطفل على فكرة الاستقواء والسيطرة بفرض العضلات.. بمفهومٍ آخر: التنمر، لذا حين أنظر إل وجهة نظر الأب أسأل نفسي: كيف سيربِّي هذا الأب الطفل؟ وأي جيلٍ ننتظر بعد عدة سنوات؟ يغيب دور الأب في العديد من المشاكل التي نواجهها، فوالد أحد الأطفال الذين يؤذون حسن على سبيل المثال ترك عائلتَهُ وهاجر".

من أخطر المشكلات السلوكية

من جانبه، يرى رئيس مركز الإرشاد التربوي بغزة علاء جرادة، أن التنمر من أخطر المشاكل السلوكية التي باتت موجودة لدى عدد كبير من الأطفال في قطاع غزة، مرجعًا عوامل وجودها إلى عدة نقاط: الأسرة، المدرسة، والحالة النفسية.

التنمر سلوكٌ مُكتسَب وقابل للتعديل، إذ أن وجود نقصٍ معين لدى الطفل أو المراهق، كالحرمان العاطفي أو الفقر أو العنف، يزيد من فرصة ممارسته التنمر على الآخرين.

وأشار إلى أن التنمر سلوكٌ مُكتسَب وقابل للتعديل، إذ أن وجود نقصٍ معين لدى الطفل أو المراهق، كالحرمان العاطفي أو الفقر أو العنف، يزيد من فرصة ممارسته التنمر على الآخرين من حوله، قائلًا: "يقع على عاتق الإرشاد النفسي والتربوي داخل المدراس ثلاثة أدوار: أولها الوقائي، ثانيها الإنمائي، وآخرها العلاجي".

وأما الدور الأول (والحديث لجرادة) فيشمل كل الصفوف المدرسية على مدار العام الدراسي ويستهدف الطلبة بالحديث عن الظواهر الاجتماعية المنبوذة داخل المجتمع، ومن ضمنها التنمر، بينما يخضع للدورين العلاجي والإنمائي من يُصنّف على أنه متنمر أو عنيف داخل الفصل الدراسي.

ويشدد جرادة على أن عملية الإرشاد الوقائي، لا يمكن أن تحقق جدوى ما لم يتعاون الأهل مع المدرسة، ذلك لأن الأسرة يقع عليها الدور الأكبر، فالطفل خلال السنوات الخمس الأولى من عمره تتبلور شخصيته وسلوكياته وفق منهج أسرته، وطريقة تربيتها له.

 ولا ينكر جرادة أن الكثير من الأطفال يتركون المدرسة بسبب التنمر، وقد يبقى عددٌ كبير منهم غارقًا في دوامة التنقل من مدرسة إلى أخرى ومن فصلٍ إلى آخر، مؤكدًا أن من أهم خطوات مواجهة التنمر التي اتبعتها وزارة التربية والتعليم داخل المدارس مؤخرًا، كان إنشاء مراكز إرشادية علاجية في جميع مناطق غزة، يتوفر فيها أخصائي نفسي متمرس، تُحوَّلُ إليها الحالات التي لا يستطع مرشد المدرسة التعامل معها وتحتاج إلى وقتٍ وجهدٍ أكبر، كما تجنب الطفل "وصمة الذهاب إلى المرشد الاجتماعي كما هو الغالب في مجتمعنا" على حد تعبيره.

نهج الأسرة

ومن ناحيةٍ نفسية، يتحدث د.درداح الشاعر الباحث والمحاضر الجامعي في تخصص علم النفس التربوي عن أن الشعوب المحتلة التي تفتقد الحياة المدنية الهادئة، أفرزت أجيالًا ذات مستوى معين من الخشونة في التعامل.

 لكن الأنكى –حسب الشاعر- أن أسرًا فلسطينية تتعامل مع الاختلاف تعاملًا سلبيًا في بعض الأحيان ما يدفع أبنائها إلى التنمر، وبدلًا من أن تكون قاعدة التعامل وفق "الاختلاف يجلب الائتلاف"،  تصبح  تلك الأسر بارعة في تنمية مبدأ الانتقام والتشفي وعدم التسامح.

 يكمل الشاعر: "هي لا تغرس قيم المحبة والتوافق مع الآخر بقدر ما تغرس مفاهيم مثل: "إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب"، حتى إن بعض المعلمين -يا للأسف-يمثلون في كثير من الأحيان أسوأ صور التنمر، حين يعاقبون الطفل لأتفه الأسباب، ويقللون من قيمته أمام زملائه ما يدفع الفئة الأخيرة إلى استغلال تلك المواقف في فرض السيطرة وكسب إذعان الطفل المعاقب".

لا بد من تفعيل العقاب في تربية أبنائنا أحيانًا، وتدعيم إحساس الناشئ بالمسئولية، والاستفادة من السلطة الممنوحة له،  بأن لا تكون في سبيل إيذاء الآخرين.

ويرى الشاعر فيما يتعلق بعلاج ظاهرة التنمر أن الأسرة لها دور كبير في خلق الثقة بالنفس لدى أبنائها، ومساندتهم مجتمعيًا تجاه تلك الظاهرة، وتربيتهم على أن الاختلاف طبيعي بين الناس، بالشكل والسلوكيات والحديث ولون البشرة وكل شيء، مشددًا على أهمية تفعيل الجانب الأخلاقي والعقابي في بعص الأحيان، وتدعيم إحساس الشخص الناشئ بالمسئولية والاستفادة من السلطة الممنوحة له،  بأن لا تكون في سبيل إيذاء الآخرين.

ويلفت إلى أن الطفل الذي يتعرض للتنمر، تصيبه مشاعر سلبية، وقد يلجأ إلى الانكفاء على الذات، والانسحاب من الحياة الاجتماعية، فتصبح المدرسة منفرة بالنسبة له، "وفي بعض الأحيان، إذا لم يجد إنصافًا من قبل المجتمع، ربما يفكر في الانتحار لأنه غير قادر على الدفاع عن نفسه، وقد يلجأ هو للتنمر على طرف أضعف منه، وفق قاعدة العدوان المنقول" يزيد.