خديجة حباشنة تلملم شتات "سينما الثورة"
تاريخ النشر : 2020-02-12 15:25

القاهرة/ مرفت أبو جامع

شبكة نوى، فلسطينيات: "من لا يملك ذاكرةً، لا يملُك تاريخًا"، تلك المقولة كانت الدافع الرئيس للمخرجة السينمائية خديجة حباشنة، كي تكرِّسَ وقتها وجهدها خلال عدة سنواتٍ مضت من أجل توثيق "ذاكرة السينما الفلسطينية"، من خلال محاولة لملمة إنتاج "مؤسسة السينما الفلسطينية" التي تناثرت وضاعت بعد اجتياح بيروت عام 1982م.

"وفاءً لحق الثورة، ولرواد السينما الأوائل الذين همشهم التاريخ" تقول حباشنة لشبكة "نوى"، معقبةً: "الشهيدة سلافة جاد الله أول مصورة سينمائية عربية، والشهيد المصور هاني جوهرية، والشهداء إبراهيم ناصر، وعبد الحافظ الأسمر، وآخرين لم يذكرهم التاريخ منذ عام 1982م، كل هؤلاء أخذوا على عاتقهم توثيق ظروف الثورة، واستشهدوا في سبيل ذلك".

عكفت حباشنة التي تعلقت بالسينما منذ نعومة أظفارها، على لملمة شتات ذاكرة السينما الفلسطينية الجريحة منذ ذلك الحين، تمامًا كما كانت تضمد أوجاع اللاجئين هناك في لبنان.

لم تتمكن حباشنة من دراسة التمثيل المسرحي لعدم تقبل المجتمع العربي آنذاك ظهور المرأة كـ"مؤدية" أمام جمهورٍ كبير

بدأت حكايتها مع السينما، عندما كانت تشارك في مسرحيات مدرستها الابتدائية، واستمرت كذلك في كل مراحل الدراسة، إلا أنها لم تتمكن أبدًا من دراسة التمثيل السينمائي والمسرحي في الجامعة آنذاك -رغم سفرها للتعليم في جمهورية مصر العربية- حيث اختارت تخصص علم النفس، ذلك لعدم تقبل المجتمع العربي لدور المرأة أو ظهورها كمؤدية أمام جمهورٍ كبير.

تضيف: "حتى سفري إلى مصر في ذلك الحين، واجه انتقادات كبيرة، كان المجتمع المحيط يقول لوالدي كيف تُرسل ابنتك للدراسة في مصر وحدها؟ فما بالكم لو تكلمت عن تمثيل؟!".

شغف حباشنة التي كانت تقيم في مدينة "الكرك" الأردنية، ظل مرتبطًا بالسينما، والمسرح طوال الوقت، تكمل: "كان والدي يرسل لي مصروفًا خاصًا لحضور المسرحيات والمشاركة في الفعاليات الثقافية، كنت في كل خميس أقف عند باب الأوبرا في منطقة العتبة المصرية قبل حرقها لحضور مسرحيةٍ ما".

 بعد أن أنهت حباشة دراستها في مصر، كانت الثورة الفلسطينية في أولى مراحلها، وحينها انضمت للثوار، وعملت كمرشدةٍ نفسية للأطفال في المخيمات، حتى تعرفت إلى زوجها الراحل مصطفى أبو علي، الذي كان عائدًا لتوه من الدراسة في معهد السينما ببريطانيا، لينضم إلى صفوف الثوار.

كنا نعمل من مطبخ في أحد البيوت ببيروت، فحولناه إلى معمل للطبع و التحميض والتصوير، وبدأنا العمل بكاميرا بسيطة جدًا وجهاز تنشيف يعمل بالكاروسين

عن تلك الفترة تقول: "شكّلنا أنا ومصطفى والراحلة سلافة جاد الله من مدينة نابلس، وهي خريجة المعهد العالي للسينما في مصر، وحدةً سينمائية انضم إليها عدد من المصورين والمخرجين العرب (..) بدأنا بإمكانيات بسيطة، كنا نعمل من مطبخ  في أحد البيوت هناك، فحولناه إلى معمل للطبع و التحميض والتصوير، وبدأنا العمل بكاميرا بسيطة جدًا وجهاز تنشيف يعمل بالكاروسين".

أصبح حينها جهاز قسم التصوير(والحديث لحباشنة) يمد أعلام الثورة بصور الأحداث الفلسطينية والعمليات الفدائية، لتوزيعها على وكالات الأنباء، حتى أخدت صورة الفدائي الفلسطيني تغزو العالم.

"وحدة أفلام فلسطين" هذا كان اسمها، أولُ مبادرةٍ سينمائية فلسطينية أنشات عام 1968م، وتمكنت من إنتاج أول أفلامها عام 1969م، ثم تطورت فيما بعد إلى "مؤسسة السينما الفلسطينية"، وضمت عدة فرق تصوير أنتجت حتى نهاية 1982م، ما يزيد عن ثلاثين فيلمًا وجريدة سينمائية.

لاقت حباشنة صعوبةً في الوصول إلى الأفلام التي وثّقت تلك الفترة، واستمرت تجمعها عشر سنوات، سيما وقد تعرّض الأرشيف للقصف الإسرائيلي في بيروت عام 1982م.

ولعبت "وحدة أفلام فلسطين" دورًا مهمًا في تاريخ الثورة، خاصة في ما يتعلق بالعمليات الفدائية التي كان ينفذها الثوار آنذاك، توضح حباشنة، وتزيد: "كنا نعرض في المخيمات أفلامنا، كنا نحشد الفلسطينيين في كل مكان لدعم الثوار، كان هناك اهتمام كبير من قبل الناس بالسينما، فلأول مرة يرى الناس أشخاصًا يعرفونهم في السينما".

لاقت حباشنة صعوبةً في الوصول إلى الأفلام التي وثّقت تلك الفترة، واستمرت تجمعها عشر سنوات، سيما وقد تعرّض الأرشيف للقصف الإسرائيلي في بيروت عام 1982م.

تكمل: "بدأتُ أراسل مخرجي المؤسسات المختصة من كل البلدان، منذ عام 2008م، وقد جمعت خلال هذه المدة أكثر من 80% من الأفلام المصورة، والأخبار التي انتشرت في الصحف عن وحدة "أفلام فلسطين"، مبينةً أنها تعمل حاليًا على ترميم هذه الأفلام لإعادة عرضها مرة أخرى، خاصةً تلك التي تتحدث عن مرحلة النضال في الستينات والسبعينات.

وإلى جانب حفظ أرشيف الثورة سينمائيًا، أصدرت حباشنة كتابًا عن "الدار الأهلية للنشر والتوزيع- عمان" بعنوان: فرسان السينما -سيرة وحدة أفلام فلسطين، يتحدث عن أول مجموعة سينمائية رافقت بدايات حركة التحرر الوطني، وكيف انطلقت الفكرة؟ حتى رحلة البحث عن أفلام "مؤسسة السينما الفلسطينية" المفقودة بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان وحصار بيروت عام 1982م.

واعتمدت حباشنة التوثيق لهذه المجموعة على مقاطع فيديو لمؤسسيها، وما قالوه عبر لقاءات معهم، أو كتابات من عاصروا تجربتهم، بالإضافة إلى تجربتها الشخصية معهم.

وتعرب حباشنة الباحثة والسينمائية، والناشطة السياسية والنسوية، عن أملها في أن تُكلل جهودها باهتمامٍ رسميٍ فلسطيني، فتوضعُ تلك الأفلام في متحف خاص وتحفظ إرث الذاكرة السينمائية الأصيلة لأجيالٍ قادمة.