الأمهات أثناء العدوان على غزة.. قلوب من ورق ودموعٌ مؤجلة
تاريخ النشر : 2019-11-18 09:52
صورة من آثار العدوان على غزة

غزة:

استيقظت داليا شحادة على صوت صراخ أطفالها في ساعات الصباح الأولى من اليوم الأول للعدوان الأخير على غزة 12تشرين الثاني غير مدركة ما يحدثَ، قالَ أطفالها خائفين إنَّ انفجارات قريبة هزت المنزل فظنت أنَّه حادثٌ عرضي، حتى فتحت حسابها على الفيس بوك وقرأت الأخبار حولَ اغتيالِ بهاء أبو العطا القائد في سرايا القدس ورد المقاومة الفلسطينية على الاغتيال.

قالت شحادة والتي تسكن شرقَ حي الشجاعية شرقَ مدينة غزة لـ"نوى": بعد ساعات قليلة من استيقاظنا بدأت أصوات الصواريخ تخترق آذاننا، فيهرب أبنائي الأربعة منها إلى داخل المنزل فيما يخرج والدهم ليرى مكانَ سقوط الصواريخ، فيتمزق قلبي بينَ زوجي الذي يتجاهل خوفي عليه، وبينَ أبنائي الخائفين، وتختلط مشاعري، فأبدو كالبلهاء أبكي وأبتسم في ذات الوقت".

دربت داليا نفسها منذ انتقالها هي وزوجها للعيش في منزلٍ متواضعٍ شرق الشجاعية قبلَ 14 عام على استثمار الوقت أثناء العدوان الإسرائيلي، فهي عادةً تجمع كافة الأوراق الرسمية المهمة في حقيبة ظهر وتضعها في أقرب مكان من باب المنزل،

دربت داليا نفسها منذ انتقالها هي وزوجها للعيش في منزلٍ متواضعٍ شرق الشجاعية قبلَ 14 عام على استثمار الوقت أثناء العدوان الإسرائيلي، فهي عادةً تجمع كافة الأوراق الرسمية المهمة في حقيبة ظهر وتضعها في أقرب مكان من باب المنزل، ثُمَ تُنهي عملها في المنزل سريعًا، وتتفرغ بعدَ ذلك لأبنائها الذينَ تغلق عليهم باب المنزل وتضع أمامهم أكوامًا من الأوراق والألوان، وفي الوقت الذي تنعم فيه منطقتهم بالكهرباء لساعاتٍ محدودة تشحن كل ما يُشحن من أدواتٍ كهربائية.

ميسر أبو شمالة والتي تنقلت بينَ منازلٍ مستأجرة كثيرة منذ تزوجت، وجربت شعور أن يكون منزلها قريب من قصفٍ إسرائيلي أكثرَ من مرة، قالت: "في بعض المناطق التي سكنتها كانَ الاحتلال الإسرائيلي يقصف بشكلٍ شبه متواصل فباتَ من الاعتيادي عندي سماع أصوات الصواريخ وكانت بناتي لا يخشينَ من الصوت كثيرًا لأنني ووالدهم كُنا نلعب معهم أثناء القصف فيتناسوه ربما أو يلتهوا عنه، وفي بعض المرات تختبئن في حضني وأخبرهن إنه مكانٌ آمن وأقص عليهن القصص ليهدأن".

كانت بناتي لا يخشينَ من الصوت كثيرًا لأنني ووالدهم كُنا نلعب معهم أثناء القصف فيتناسوه ربما أو يلتهوا عنه

أضافت" أكبر بناتي بالصف العاشر صارت تقول لأخواتها إن الموت لا يُخيف وإننا إن متنا سنكون شهداء، طمأنت شقيقاتها غير أن قلبي لا يطمئن، إذ أتخيل دائما أنني أسعف مُصابين من عائلتي أو أستقبل خبر استشهادهم، وأسأل نفسي كثيرًا هل يمكنني أن أكون قادرة على التحمل، ولمّا أعجز عن التخيل أكثر ألهج بالأدعية المختلفة حتى أهدأ ولا يلاحظ أحد خوفي".

نورة حبيب والتي بدت قلقة على طفلتها ذات الخمس سنوات التي انطوت على نفسها منذ بدء العدوان الأخير على غزة وانقطعت عن الأكل واللعب وتبكي أغلبَ الوقت، قالت: "بعدَ سماع دوي الانفجارات التي تسببت بها الصواريخ الإسرائيلية أحاول التحايل على أبنائي فأخبرهم إن هذا صوت ألعاب نارية، وهي كذبة اعتدت قولها كلما انفجرَ صاروخٌ إسرائيلي بالقرب من المنزل، غير أن هذه المرة لم يصدقني أبنائي، وقالوا إنهم يعرفون إنه قصف إسرائيلي وأنه لو أصابهم سيموتون".

تابعت" أنا أخشى على أبنائي كثيرًا وأشعر أنني فقدت شجاعتي ومهارتي في التعامل مع ظروف العدوان الإسرائيلي وبعدَ إدراكهم لخطر الاحتلال الذي يصل للموت صرت عاجزة عن إخفاء دموعي، وأحتاج للكثير من الدعم النفسي أنا وهم".

رشا: لم أشعر بالخوف مطلقًا كما شعرت بهِ منذ سمعت ورأيت مجزرة الاحتلال بحق عائلة ملحس

رشا أبو منديل تسكُنُ في منزل من الزينقو غربَ مخيم النصيرات وسطَ مدينة غزة، في أرضٍ زراعية تملكها العائلة، وتتعرض أرضهم والأراضي الزراعية القريبة منهم للقصف في كل عدوانٍ إسرائيلي على القطاع، قالت:" لم أشعر بالخوف مطلقًا كما شعرت بهِ منذ سمعت ورأيت مجزرة الاحتلال بحق عائلة ملحس، منذ ذلك الوقت وأنا أتخيل أنني وأبنائي قتلى بقصفٍ إسرائيلي، فظروف حياتي أقرب لظروفهم، وكانَ من الممكن أن تكون عائلتي هي المستهدفة هذه المرة".

أضافت:" أبكي كثيرًا منذ انتهاء العدوان، ويراني صغاري أبكي ولا أملك طريقة للتخلص من خوفي أو مساعدتهم على التخلص من خوفهم".

تؤجل الأُمهات في غزة دموعهن أثناء العدوان حتى لا يلحظ صغارهن فيزداد خوفهم، وتتلاشى حيلهن الكثيرة بإقناع أبنائهن أن الصواريخ التي تُصبُ على رؤوس أهل غزة ما هي إلا مفرقعات، فالأطفال يعرفونَ أن كل انفجارٍ يسمعونه هو موتٌ جديد فتزداد مهام الأمهات النفسية صعوبة، ويغرقنَ في خوفهن وجزعهن وخشيتهن على عائلاتهن أكثر.