بلجيكا/ غزّة- نوى
"الموسيقى الإلكترونية لا تحتوي على كلام، لكنّها قادرة على الحديث، ليس ذلك فحسب، وإنّما من خلالِها يمكن أن نحكي قصّةً معيّنةً حصلت على هذا الحاجز أو ذاك، وأن نرويّ حكايةً حدثت في أحدِ المخيّمات، وكذلك نستطيع دمج الأصوات الإلكترونيّة مع مظاهر الحياة كافّة في فلسطين" ببساطة هذه قصّة الموسيقى مع الفنان كامل بدارنة.
"إنها قصّة من تربّى على سماع صوت الشيخ إمام وفرقة العاشقين ومارسيل خليفة" يقول الفنان الذي عاش في مدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلّة، مضيفًا أن الاستماع المتواصل لمقطوعات الفنانين القدامى دفعني للتعبير عن ذاتي عبر الموسيقى التي تترجم تطلعاتي وتحوّلها إلى واقع أستمتع بعزفه أنا وصديقان لي حتى أسسنا فرقة "راب عربي" في العام 2006، ننتج من خلالها أغانٍ مستوحية من أحداث فلسطين القائمة.
في العام 2012، انتقل بدارنة إلى بلجيكا لدراسةِ "هندسة الصّوت وإنتاج الموسيقى"، وهناك بدأ بالاستماع للموسيقى الإلكترونيّة في مقاهي المدينة الّتي يسكنها، وفي الأماكن العامّة والأمسياتِ المخصّصة لهذا النّوع من الفن، "تأثرتُ فيها بشكلٍ كبير؛ لأني وجدتُ فيها القدرة على مخاطبةِ العقل والجسد في آنٍ واحد، ولتمكنها من التّعبير عن مكامني الداخليّة" يعبّر عن أثر الموسيقى.
لونٌ مستقلٌ وأنماطٌ عديدة
والموسيقى الإلكترونيّة هي عبارة عن أصواتٍ تصدر عن آلاتٍ وأجهزةٍ كهربائيّة، أُعدَّت في داخلها الأصوات الموسيقيّة مسبقًا، وينتج هذا الصّوت ليس عبر اهتزاز الذّبذبات داخل العلبة المجهّزة لها، إنّما إلكترونيًّا، وبرز هذا اللون؛ بسبب ظهور الاكتشافات العلميّة في عالم الكهربائيّات.
يتابع بدارنة أن "الموسيقى الإلكترونيّة قادرة على مخاطبةِ الجّسد؛ كونها راقصة وتحتوي على الكثيرِ من الإيقاعات، والعقل؛ كونها تعبيريّة بامتياز وتخلق إيحاءات معيّنة في خيالِ المُستمع، موضّحًا أنّها مثل أنواعٍ كثيرة من الموسيقى الشعبيّة، قادرة على خلقِ مسّاحةٍ أو حالة خاصّة للمُستمعين، ويمكنهم من خلالها التّحدث مع أنفسهم أو إيجاد نوعًا من التّواصل مع ذاتهم.
أنماطٌ كثيرة لها، يحاول الموسيقيّ الفلسطيني التّركيز على ثلاثةٍ منها فقط، أولها "الموسيقى الإلكترونيّة التّجريبيّة"، وهي قائمة على مبدأ الإنتاج العشوائي من خلال التلاعب بأصواتٍ موجودة أو عبر خلق أصواتٍ إلكترونية جديدة عن طريقِ أجهزةٍ مخصّصة، وثانيها "الأمبينت"، وهو الّذي يعمل على إيجادِ مزاج عام من خلالِ نوتات إلكترونيّة هادئة والمدّة الزّمنيّة لها تكون طويلةً بالشّكلِ الكافِي لتلبيةِ هذا الغرض، وثالثها "تكنو"، وهو نمطٌ يتميّز بالإيقاعِ السّريع والرّاقص، أما بالنّسبةِ للأصوات في الخلفيّة فهي صاخبةٌ وتخلقُ حالةً من الغموض.
يشار إلى أنّ هناك نوعًا من التحفظ العربي تجاه هذا النوع من الموسيقى، لعدّةِ أسباب؛ بدايةً من حاجتها لأجواءٍ وطقوسٍ خاصّة، وسببٌ آخر أنّها صاخبةٌ وتحتاجُ إلى قدرة؛ لتتمكّن من التعود عليها، ونهايةً ربط البعض بينها وبين تعاطي المخدّرات، وهذا شيءٌ مغلوط وسطحي، وفق ما قال كامل.
حكايا فلسطين
أوّل عمل مُكتمل أصدره بدارنة هو "موسيقى للحواجز" وهو عملٌ يمكن وضعه في خانةِ "التّكنو"، ويحتوي الألبوم الّذي يحملُ اسم "رصاصوّت" على سبعِ مقطوعاتٍ تحكى جميعها قصصًا مختلفةً عن فلسطين، وتحاول ترجمة الأجواء العامّة على الحواجز وتحويلها لموسيقى.
الطّابع العنيف والغامض الّذي يغلب على "رصاصوّت" من الناحية الصوتية، يفسره بدارنة بأنّ مرحلة الإنتاج الأوّلى كانت تجريبيّة، حيث قام بالتلاعب بالأصوات الّتي تم تسجيلها على حواجزِ الضّفة الفلسطينيّة المُحتلّة والمدن الأخرى، والّتي شكّلت أساسًا للعمليّة الإنتاجيّة، وبعد ذلك أعاد بناء إيقاعاتٍ سريعة؛ لتتناسب مع السّمة العامّة لنمطِ "التّكنو".
يبيّن الفنان أنّ العنوان مستوحى من ألبومٍ للموسيقيّ والملحن الإنجليزي "بريان إينو"، إذ تبلورت لديه فكرة أثناء انتظاره للإقلاعِ في أحدِ المطارات، فلم ترق له الأصوات المحيطة به، فقرر إنتاج موسيقى تكون مناسبة للاستماع في مثل تلك الحالات، لافتًا "موسيقى للحواجز لم تُنتج لنستمع لها وقت الانتظار على الحواجز؛ بل هي محاولةٌ؛ لترجمة الجو العام على الحاجز، وهنا الاختلاف".
ويطمح الموسيقي بدارنة إلى مواصلةِ الإنتاج في هذا النّمط، وتعريف النّاس به، خاصّةً الفنّانين منهم، كذلك سينتقل لجانبِ دمج التلاعبات الصّوتيّة والأخرى البصريّة المرافقة للموسيقى؛ لأنّ الجانب البصريّ يلعبُ دورًا هامًا في إعطاءِ فهمًا آخر للموسيقى وفق كلامه، ويرى في "حيفا، والنّاصرة، والقدس، ومدنٌ أخرى، ستكون الوجهةَ المُقبلة لي، حيثُ سأنظم عروضًا فيها، إضافةً لأخرى في بلجيكا".