مكانة لبنان ضمن الخارطة الإقليمية الجديدة .. والأسئلة الصعبة
تاريخ النشر : 2017-11-05 10:11

لا يمكننا قراءة الوضع اللبنانى إلا ضمن الترتيبات طويلة الأمد للجغرافيا السياسية التى يجرى رسم ملامحها اليوم لمنطقة الشرق الأوسط؛ والتى كانت زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لإيران الأسبوع الماضى جزء منها؛ وذلك لما تمثله طهران من ثقل إقليمى فى المنطقة؛ يمتد نفوذه من أسيا الوسطى وحتى شواطىء المتوسط مروراً بالضاحية الجنوبية حيث معقل حزب الله صاحب كلمة الفصل فى كل لبنان والحاكم الفعلى لها؛ والذى هو جزء لا يتجزء من المحور الشيعى المتحالف مع روسيا؛ والممتد من طهران إلى الضاحية مروراً ببغداد ودمشق .

ولم تكن استقالة سعد الحريرى مفاجئة للمتابع للشأن اللبنانى بقدر ما كانت قدرته على البقاء رئيس لحكومة لبنان منزوعة الصلاحيات كل تلك المدة؛ وفى هذه الظروف الاقليمية والذى كان مفاجىء للعديد من المراقبين للشأن اللبنانى والاقليمى مع ازدياد حدة الصراع بين المحور الشيعى والسنى إقليميا؛ والذى كان السيد سعد الحريرى زعيماً لأحد تياراته السنية الوازنة فى لبنان ضمن فسيفساء الخارطة الطائفية شديدة الحساسية فيه، ولا شك أن خروج الحريرى الإبن من الحكومة سيدخل لبنان فى دوامة فراغ سياسى جديدة قد اعتادت لبنان عليه منذ سنوات، ولكن الجديد اليوم أن هذا الخروج لا يأتى كالمعتاد ضمن الصراع السياسى اللبنانى بين تيارى( 8 و14 أذار)، ولكنه يأتى هذه المرة ضمن صراع إقليمى ذو أبعاد دولية بين محوريين إقليميين شيعى وسنى؛ ودوليين بين روسيا والولايات المتحدة، وليس أدل على ذلك من إعلان الحريرى الإبن استقالة حكومته من الرياض والتى تمثل اليوم عاصمة المحور السنى المتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتى تشن إدارتها حملة دبلوماسية مدعومة بالتهديد على إيران قد وصلت ذروتها بخطاب الرئيس الأمريكى الأخير الذى رفض فيه علناً الاتفاق النووى وهدد بالانسحاب منه .

وهنا لا أحد بمقدوره إنكار الثقل الديمغرافى للوجود السنى فى لبنان؛ لكن فى المقابل لا يوجد عاقل باستطاعته المراهنة على القيادة السنية بزعامة سعد الحريرى؛ والذى اعتلى زعامة التيار كما يجرى عادة فى لبنان بالوراثة؛ فالرجل لا يملك أى كاريزما قيادية تؤهله لمواجهة التحديات السياسية اللبنانية ذات الأبعاد الاقليمية والدولية فى لبنان، علاوة على وجود خصم سياسى قوى وذو نفوذ أمامه كحزب الله؛ إضافة إلى ان الحريرى كان معظم الوقت خارج لبنان خوفاً على أمنه الشخصى؛ وتفاديا لمصير مشابها لمصيره والده الراحل رفيق الحريرى؛ والذى كان اغتياله ضربة كبيرة للتيار السنى فى لبنان قد أدت الى إضعافه، لكن اعتلاء الحريرى الابن لمقعد أبيه زاد من ضعف التيار وأفسح المجال واسعا لحزب الله للسيطرة الفعلية على تلابيب الدولة اللبنانية ضمن تحالفه الاستراتيجى مع نظام الرئيس السورى بشار الأسد . إن استقالة حكومة سعد الحريرى هى بداية لما هو قادم على لبنان ضمن ترتيب الوضع اللبنانى الفسيفسائى فى الخارطة السياسية للإقليم والذى ستحدد معالمه التفاهمات الدولية الروسية الأمريكية بما يضمن مصالحهما ومصالح حلفاءهم من القوى الاقليمية الوازنة الثلاث إيران وإسرائيل وتركيا والتى لديها حق النقض؛ أما الدول العربية ومصالحها فتأتى فى المرتبة الثالثة وهو ما يفتح الباب أمام كل الاحتمالات؛ ويجعل من كل الدول العربية مرشحة لتكون ساحة صراع لتلك الدول الاقليمية والدولية؛ وتبدو لبنان اليوم أكثر تلك الساحات ترشيحا نظراً لطبيعة البنية السياسية الهشة للدولة اللبنانية .

[email protected]