قنابل موقوتة بين أحياء غزّة السكنية
تاريخ النشر : 2017-10-24 13:10

غزة-نوى:
لم يجد الشاب أحمد سليم وسيلة عمل يكسب من خلاله قوته اليومي، فلجأ لامتهان تعبئة اسطوانات الغاز داخل منزله دون أن يراعي أساسيات وشروط العمل.
يقول سليم إنه تخرج من تخصص إدارة وأتمتة مكاتب؛ ولم يحظ بفرصة عمل، إلى أن داهمته فكرة العمل في تعبئة اسطوانات الغاز، لأنها مربحة والمواطنين بحاجة لها بشكل دائم.
وتقوم هذه المهنة على جمع أكبر عدد من اسطوانات الغاز من الزبائن والقيام بتعبئتها، ومن ثم يقوم بوضعها داخل مخزن في الدور الأرضي من منزله الواقع في مخيم جباليا، تمهيداً لنقلها إلى الزبائن.
ويخالف هذا الفعل، القانون الفلسطيني رقم (28) الخاص بنظام ترخيص إنشاء محطات تعبئة الغاز المنزلي، الذي أُقر عام 2002 ووفق المادة رقم (8) فإنه يحظر إقامة أي عشوائية أو حتى محطة رسمية لتعبئة الغاز داخل المدن وبين منازل المواطنين.
وقد أصبح وجود ورش تعبئة اسطوانات الغاز داخل الأحياء السكنية، بمثابة قنابل موقوتة تهدد سلامة وأمن الأسر لعدم اعتمادها المواصفات المطلوبة قانوناً ولعشوائية تخزينها والعمل بها.
فضلاً عن ذلك، فقد قدم مواطنون في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، شكاوى بحق ورش تعبئة الغاز المجاورة لمنازلهم، وذلك بسبب الانبعاثات المتسربة من الأسطونات المهترأة.
وعبر المواطن أبو سامى العسكري عن امتعاضه، من الجهل الذي يعانيه العاملون في هذه المهنة، "غير مباليين بالمخاطر التي تنجم عن ذلك" كما قال.
واشتكى المواطن العسكري من معاناته الدائمة، من تسرب الغاز بشكل يومي لمنزله الذي يجاور إحدى ورش تعبئة الغاز العشوائي، مشيرا إلى أن الأمر بات مقلقًا له ولأسرته.
ووفقاً لإحصائية تقديرية أصدرها الدفاع المدني، فإن ما بين 100 إلى 200 حادثة انفجار لأسطوانات غاز حدثت بين الأحياء السكنية على مدار العشر سنوات الماضية 2007-2017. 
ويستخدم أصحاب ورش تعبئة الغاز العشوائية، أدوات متدنية الكفاءة، إضافة إلى عدم قيامهم بإجراءات التأمين، أو الحصول على رخص لمزاولة هذه المهنة، ناهيك عن التلاعب بأسعار الاسطوانات في أوقات الأزمات.
المهندس حسام كردية مسؤول قسم التفتيش وادارة الأمن والسلامة في الدفاع المدني، حاول أن يبرأ ساحته من بقاء هذا الخطر محدقاً بالمواطنين دون وضع حد، إذ يقول إن الدائرة تعمل بشكل جدىّ لمنع تلك الظاهرة؛ خصوصا ضد أولئك الذين يعملون بالخفية. 
كما برر تقصير الدفاع المدني في كبح جماح العاملين في هذه المهنة الخطرة، بقوله: "إن أجهزة الدفاع المدني تعاني من نقص في الأدوات والكوادر، ولهذا لا تستطيع أن تغطى عملها في كافة مناطق قطاع غزة".
وأشار كردية إلى أن فريق التفتيش في الدفاع المدني يصادر على الفور الأسطوانات في ورش التعبئة العشوائية، لكنه في المقابل لم يحدد عدد محاضر الضبط التي أجريت بحق تلك الفئة بشكل قانوني. 
بدوره أفاد يحيى العطار ممثل الهيئة العامة للبترول في قطاع غزة، بأن هناك 800 نقطة توزيع وتعبئة اسطوانات موزعة على محافظات قطاع غزة تعمل بشكل منتظم ومسجلة لدة الهيئة، ولم يشمل العدد نقاط تعبئة الغاز العشوائية المقامة داخل الأحياء السكنية.
ونفى العطار عن الهيئة، قدرتها على الحد من تلك الظاهرة بشكل كلي، على اعتبار أن غالبيتهم يعملون بالخفية، لكنه أشار إلى أنه حال تم الإبلاغ عن أحدى تلك الورش، فإن الجهات المختصة تقوم بالتوجه إليها من الفور.
وأرجع مبررات عدم الحد من تلك الظاهرة، إلى الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة، مشيرا إلى أنهم وجهوا مؤخراً إنذارات للمخالفين المسجلين لدى هيئتهم حتى العام من أجل تصويب أوضاعهم، فيما أن الورش العشوائية لم يوضع لها حد إلى الآن.
وتفيد المعاينة الميدانية لورش تعبئة الغاز، الاستمرار في تعبئة الاسطوانات المهترأة والتي تزيد عمرها عن 10 أعوام، علما أن هذا يخالف القانون الخاص بنظام ترخيص إنشاء محطات تعبئة الغاز المنزلي، حيث اعتبر أن العمر الافتراضي لأسطوانة الغاز المنزلي هو ما بين 10-15 عاماً، على ألا يتم تعبئتها بعد هذه المدة من الزمن؛ لأنها تصبح مهترئة وتشكل خطراً على حياة المواطنين.
وتتم عملية التعبئة، باعتماد خراطيم صغيرة داخل الورش؛ يتم وصلها بالأنابيب الكبيرة المعبئة (مضاعفة الحجم) حتى تقوم بنقل الغاز إلى الفارغة، وهذا بحد ذاته يعرض حياة العمال، قبل المواطنين المجاورين للورشة، إلى الخطر.

يشار إلى أن خمسة مواطنين توفوا وأصيب 50 آخرون خلال حريق نجم عن انفجار أنابيب للغاز في مطعم شعبي بمخيم جباليا في العام 2009.

ومن الواضح أن هذه القنابل الموقوتة ستبقى تهدد أرواح المئات من المواطنين في ظل التقصير الواضح للجهات المسؤولة، تجاه عدم اتخاذ التدابير الكافية والإجراءات العقابية اللازمة لوضع حد لهذه الظاهرة.