"إدوارد سعيد" مكتبة متخصّصة بالكتب الإنكليزية في غزّة
تاريخ النشر : 2017-09-24 13:45

غزة- نوى:
مشهدُ كتاب في الأدب الأمريكيّ مُلقى على ركامِ أحد مباني الجّامعة الإسلاميّة، التي تعرضت للقصف خلال العدوان الأخير على قطاعِ غزّة عام 2014، قد لا يجذب نظرَ أي من الأشخاص في ذلك الوقت، لكن الحال اختلف قليلًا بالنسبةِ للشاب مصعب أبو توهة (25 عامًا) الطالب في قسم اللغة الإنكليزيّة بالجامعة آنذاك.
حالةُ الدمارِ الكبيرة لم تشُدّ انتباه مصعب بقدر ما شدّه مشهد الكتابِ شبه الممزق، فبادر بأخذه والتقط صورةً له، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وبيّن لأصدقائه في الخارج حقيقة ما يجرى في غزّة من انتهاكاتٍ واضحة، لمصادرِ الثقافة والمعرفة من قِبَلِ آلة الدمار الإسرائيليّة.
يقول مصعب لـ"نوى": "بعد ذلك المشهد، طلبتُ من أصدقائي وبعض المتابعين الأجانب خارجِ غزّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إرسالَ كتب لي؛ لتكون بديلًا عن ما تلف" مضيفًا أنّ حجم الاستجابة لطرحه كان كبيرًا، وبالفعل، بدأت عشرات الكتب الإنكليزيّة تصله عبر خدمة البريد، برغم ما يستغرق وصول الكتب من وقت طويل، حيث قد تصل إلى شهرين في بعض الأحيان؛ نتيجة لإجراءات الاحتلال والحصار المفروض على القطاع منذ عقد.

لم يكتف الشّاب باقتناء المئات من الكتب المميزة حديثة الإصدار، وإنما أخذ يطلق مبادرة تشجّع على القراءة من خلال إنشاء أول مكتبة عامة متخصّصة بكتب اللغة الإنكليزيّة بغزّة.
كان الأمرُ بدايةً معقدًا، تساؤلاتٌ كثيرة جالت في خاطره "من أين سآتي بالمكان؟ كيف سأجهزه؟ من سيجلب لنا مزيدًا من الكتب؟" هذه التساؤلات كادت أن تجعله يتراجع عن إنشاء المكتبة في وقتٍ ما، إلا أن إرادته كانت أقوى من المعيقات، فسعى بذاته وبمساعدةِ رفاقه؛ لتحقيق ما يتطلع له.
وعن دعم الجهات الرسميّة والشخصيات العامّة، يتحدث أبو توهة "لم نجد مساعدة من أيّ جهة، فقط ترحيب معنوي وليس دعمًا ماديًا"، مشيرًا إلى أنّ بعض الشخصيّات الأكاديميّة وبعض الأصدقاء بالخارج ومجموعات شبابيّة محلية، هم من قدموا الدعم له، وهذا ما سانده لتتحول فكرته لواقع.

وتقع المكتبة الإنكليزية في بلدة بيت لاهيا، الواقعة في شمال قطاع غزّة وهي مكان سكنه.
"إدوارد سعيد، هو الكاتب والأديب الحاضر معي دومًا، فهو لاجئ ورمز للقضية الفلسطينيّة، أمور جعلتني لا أتردد في إطلاق اسمه على المكتب" يقول أبو توهة.

على رفوف المكتبة الصغيرة، يصطف أكثر من ألفِ كتاب في مجالاتٍ علميّة وفكريّة وفلسفيّة واجتماعيّة وسياسيّة، وكتب الأدب من روايات ومجموعات قصصيّة وشعر، غير الكتب الرومانسيّة والتاريخيّة والتعليميّة، أبرزها "تشارلز ديكنز، فيكتور هوجو، نعوم تشومسكي، إدوارد سعيد"، كلها أسماء لكتابٍ عالميين، حظيت رفوف المكتبة بوجودِ عشراتٍ من مؤلفاتهم عليها.

ويعد وجود مكتبة باللغة الإنكليزيّة بغزّة أمرًا هامًا، كونها من أكثرِ اللغات المستخدمة عالميًا، ولتداخلها في العديدِ من العلومِ والتخصصات الدراسيّة الحديثة.

ويرغب أبو توهة بزيادةِ وعي الناس بضرورة القراءة ودورها في بناء الذات والمجتمع، وكذلك بيان أهميّة اللغة الإنكليزيّة بالنسبةِ للأفراد، وتشجيعهم على تعلّمها،  كما يأمل أن تتحول مكتبته مستقبلًا لمكانٍ تعليميّ؛ يقصده الناس لتعلم اللغة، وأن تكون مركزًا جامعًا وملتقى لمحبي اللغة ودارسيها.

يقرأ الفرد العربيّ بمعدل 6 دقائق سنويًا بحسب تقرير التنمية البشريّة الصادر عن مؤسسة (الفكر العربي)، هذا الرقم يجعل الشاب مصعب متأسفًا حزينًا على حال العرب، خصوصًا إذا ما قورن المواطن العربيّ بالمواطن الأوروبيّ، الذي يقرأ بمعدل 200 ساعة سنويًا كما جاء في ذات التقرير.

خدمات المكتبة لا تقتصر على توفير الكتب فقط بحسب أبو توهة، فالفريق المتطوع القائم عليها، يهتم بعقد اللقاءات التوعويّة والتثقيفيّة لشرائح المجتمع كافّة، وكذلك الزيارات الميدانيّة للمدارس واللقاءات الداخليّة فيها، وتنظيم رحلات القراءة في الأماكن الطبيعيّة المفتوحة.

ويوجد في قطاع غزّة 56 مكتبة عامّة موزعة على المناطق كافّة، بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينيّة الرسميّة (وفا)، وتعود ملكيّة المكتبات لصالح مؤسسات ثقافيّة ومؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات تعليميّة، باستثناء مكتبة (إدوارد سعيد) التي لا تتبع لأيّ جهة.