السعودية في مرحلة جديدة مختلفة
تاريخ النشر : 2017-07-04 08:44

السياسة الصقورية الجديدة للملكة العربية السعودية، عاصفة الحزم، هندسة العلاقة مع واشنطن، القمم الأميركية الإسلامية في الرياض، التحالف الإقليمي ضد الإرهاب، تحجيم النفوذ الإيراني، حملة المقاطعة الكاسحة ضد قطر، التوجه صوب شرق آسيا، الإجراءات المالية التقشفية لمواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط عالمياً، رؤية التحول الوطني 2030، كلها ملفات كبيرة وإستراتيجية تحمل بصمات ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان، والذي يسعى لأن يكون لبلاده دور محوري في قيادة المنطقة والإقليم. قرار الملك سلمان تصعيد نجله لولاية العهد بعد دعوة هيئة البيعة لمبايعته بموافقة 31 من أصل 34، وتنحية محمد بن نايف وإعفائه من كافة مناصبه لم يفاجئ أحداً، فالحديث عن خطوة كهذه لم يتوقف منذ تعيين العاهل السعودي الأمير محمد في منصب ولي ولي العهد ووزيراً للدفاع، ورئيس المجلس الاقتصادي السعودي، والرئيس الأعلى لشركة النفط العملاقة أرامكو، ومنذ أن أصبح الأمير الثلاثيني من أكثر الشخصيات نفوذاً وقرباً من الملك. ويرى بعض المراقبين أن الملك سلمان عميد الأسرة المالكة ومرجعها العائلي، كان الأكثر جرأة وقدرة على إحداث تحولات تاريخية في مؤسسة الحكم السعودي، وهو قام بفتح الطريق واسعة أمام أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز-الجيل الثالث للأسرة الحاكمة- للوصول إلى عرش المملكة، غير أنه أصبح واضحاً للعيان أن الاستقبال الأسطوري للرئيس الأميركي ترامب في الرياض، والصفقات المليارية التي واكبته، كان من أهم أهدافها الخفية تمرير خطوة كبرى كهذه بشكل سلس. وفي الإطار نفسه هناك ظاهرة جديدة وجديرة بالانتباه تحدث في السعودية، وهي أن متوسط أعمار عدد غير قليل من الوزراء وأمراء المناطق وكبار المسؤولين في الثلاثينيات، ما يعني تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتطوير النظام السياسي بما يضمن مشاركة أكبر للمواطن السعودي في صناعة القرار. وقد تحدث الأمير محمد بن سلمان، خلال مقابلة مع وكالة «بلومبرغ»، عن رؤيته للملكة السعودية للعام 2030، والمعروفة بخطة التحول الوطني، والتي تهدف إلى الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط والكربون، وعن جوانب من حياته الشخصية، وكشف الأمير عن أنه استفاد كثيراً من شيئين خلال حياته: الأول، النشأة الملكية التي سمحت له بمعاينة ومعايشة المناخ الرفيع للديوان الملكي، والثاني، التكنولوجيا التي جعلت من جيله، جيلاً مختلفاً من حيث التفكير والأحلام. وتصور الأمير الشاب شخصيتين لنفسه: إحداهما أن يطارد رؤيته الخاصة ويسعى إلى التطوير النوعي للملكة، والثانية أن يتكيف مع الديوان الملكي كما هو عليه ومع وظيفته الأميرية التقليدية. ويقول: إن هناك فرقاً كبيراً بينهما، ففي الحالة الأولى يمكنك أن تكون صاحب مشروع عملاق، وفي الثانية يمكنك أن تصبح موظفاً ناجحاً فقط. ووجّه الأمير خلال المقابلة المطولة انتقادات حادة للبيروقراطية في بلاده، وطرق إدارة العمل والمشاريع وإبرام صفقات السلاح في وزارة الدفاع، وأوضح أن قيادة المملكة تفكر الآن بإعادة صياغة العقد الاجتماعي، حيث إنه ولمدة 80 عاماً كان النفط والثروة الهائلة التي أفرزها الركيزة الأساسية التي تدعم الاتفاق الاجتماعي، وإنه حان الوقت لخفض الدعم الحكومي الممنوح لفواتير الكهرباء والوقود والمياه وخصخصة قطاعات عديدة. بعبارة أخرى هناك خلل في الميزانية السعودية ويجب إصلاحه، وهو اعتماد المملكة على مكون واحد هو البترول ليحل جميع مشكلات المملكة ومواطنيها. وتأتي خطة التحول الوطني كترجمة فعلية لمقولة الأمير: «إن المملكة تستطيع أن تعيش دون النفط» بحلول 2030. وتضمنت الخطة إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي لتنويع مصادر الدخل والتخفيف من الاعتماد على النفط كمصدر أساس لإيرادات الخزينة، وبرامج اقتصادية وتنموية، بالإضافة إلى سعي هذه الخطة لتعزيز الجهاز الحكومي وخفض الإنفاق وتفعيل القطاعات الإنتاجية والصناعية غير النفطية. واستناداً إلى هذه الخطة سيجري العمل على تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها 2 تريليون دولار. كما وتهدف المملكة من هذه الرؤية إلى زيادة إيراداتها غير النفطية من نحو 43 مليار دولار سنوياً إلى أكثر من 120 ملياراً والاستفادة القصوى من مكانة المملكة الدينية الفريدة كبلد الحرمين الشريفين، عبر زيادة عدد المعتمرين سنوياً من 8 ملايين إلى 30 مليوناً بحلول سنة 2030، وما يترافق مع ذلك من تطوير البنية التحتية لمكة المكرمة، وتطوير مطاري جدة والطائف، وفتح أبواب السعودية للسياحة أمام جميع الجنسيات بما يتناسب مع قيمها وتقاليدها، مع تطبيق نظام «جرين كارد» خلال خمس سنوات، ما سيسمح بالإقامة الدائمة للمغتربين على غرار البطاقة الخضراء الأميركية، وزيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% حالياً إلى 50% من الناتج القومي في السنوات العشر القادمة. وكان من أبرز نقاط التحول، طرح أكثر من 5% من أسهم «أرامكو» للاكتتاب العام في البورصة، على أن تخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي. أما التحول نحو آسيا، فهو أيضاً ملف إستراتيجي كبير حمله محمد بن سلمان، وتقول التسريبات: إن جولة الملك سلمان الأخيرة على النمور الآسيوية وتوقفه عند جزر المالديف كانت بإيعاز وتخطيط من الأمير محمد بن سلمان والقيادة السعودية الجديدة، ويبدو أن الأرخبيل المعروف أنه واحة سياحية للراحة والاستجمام أصبح لاعباً مفتاحياً في صراع إقليمي على النفوذ؛ فالسعودية والصين تعملان للحصول على الموافقة من السلطات المالديفية لإقامة قواعد عسكرية وتجهيزات إستراتيجية وبناء مطارات وموانئ ومناطق اقتصادية، خاصة في جزرها المنتشرة بالمحيط الهندي بطول 820 كيلومتراً، فالصين ترى في الجزر عقداً من اللؤلؤ أي صفاً من المرافئ التي تربطها بالشرق الأوسط وتكون عقدة الوصل في مبادرة حزام واحد وطريق واحد – طريق الحرير الجديد، وتكون قاعدة عسكرية لحماية طرق التجارة والنفط، في حين ترى السعودية في الموقع الجيوإستراتيجي للجزر المرجانية ما يجعلها على مسافة ثلاث ساعات من الساحل الإيراني، غير أن ما يعنينا كفلسطينيين هو مدى ارتباط ترتيبات الحكم الجديد في السعودية فيما يقال: إنه صفقة سلام إقليمي، وهو ما سيتضح في قادم الأيام!