غزة-نوى:
بين زوايا ورشتهِ الصغيرة المُطلة على الأطراف الشرقيةِ لمدينة غزة، تتناثرُ القطعُ الفنيةُ الفريدة ، ذاتُ الطابع التُراثيِ الفلسطيني الأصيل، تأسُرك بجمالها، وتؤخذك إلى عصورٍ بعيدةٍ، حاملةً إياك إلى عالمٍ يبدو مختلفاً في تفاصيله عن ذاك الذي يُغلفُ حياتك.
قطعٌ خشبيةٌ، وتحفٌ وأنتيكا يدوية الصنع، مرصوصةٌ على رفوف ورشةِ الخمسيني هشام كحيل، وأخرى تتدلى كعناقيدِ العنب، يضفي عليها كحيل مزيداً من اللمسات الفنية العصرية، لتتماشى مع تطورات العصر، وتحافظ في تفاصيلها بين الأصالة والحداثة.
عمله كنجار داخل الأراضي المحتلة عام 48 لما يزيد عن عشرين عاماً، بعد تخرجه من معهد الفنون في غزة عام 1976، ومن ثم انقطاعه عن العمل في أعقاب انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، دفعه للتفكير بطريقةٍ إبداعية، من خلال إنشاء مشروع خاص ٍ به، يدر عليه دخلاً يكفيه لسد رمق عائلته، ويوفر له مساحةً لإطلاق العنان لموهبته التي اعتقد أن الزمان دثرها.
يقول كحيل لـ"نوى" إنه عمل لعشر سنوات تقريباً في مجال صناعة الأثاث المنزلي، غير أن استمرار فرض الحصار وقلة المواد الخام في السوق المحلي، أضعف إقبال الناس على ما يصنع. ويضيف: "فكرت ملياً في إيجاد طريقة تكون أكثر جذباً للزبائن، من خلال صناعة التحف الفنية بمختلف أشكالها وأنواعها، وبالفعل استطعت أن أحقق ما أريد".
ولا يقتصر الأمر على اتخاذ كحيل لصناعة التحف الفنية كبديل عن عمله في تجهيز الأثاث المنزلي، بل إن ابتكاره لآلة يدوية تعد الوحيدة في قطاع غزة يعتبر إنجاز هام، إذ تسهل عليه عملية نقش وحفر الزخارف على القطع الفنية، التي يعتمد في صناعتها على أخشاب الزيتون والسرو، لما تتمتع به من قوة وصلابة، ولاحتوائها على عقد داخلية تسهم في إضفاء لمسة جمالية طبيعية على التحف المنتجة.
وحول عملية صناعة التحف يوضح: "تمر عملية صناعة التحف بعدة مراحل تبدأ باختيار الخشب المناسب لها، ومن تم قصه لأحجام مناسبة، و تجفيفه بتعريضه لأشعة الشمس عدة أيام، تتم بعدها عملية إزالة المواد الغرائية منه، لنبدأ لاحقاً بتشكيله ليخرج في صورته النهائية ممزوجاً بكثير من الجمال".
ارتباط وجداني ورمزيات
"ليلى" و"الفراشة والبلبل" هي أسماء لكائنات حية حسب أبجديات المنطق، لكنها بالنسبة لكحيل تبدو رموز ومسميات يطلقها على مشغولاته ، وترتبط بالنسبة له وجدانياً وعقلياً، يحكي من خلالها قصص عشق لساعات طويلة قضاها بصحبة هذه القطع الفنية.
وتمتاز بعض القطع المصنعة بحملها رمزية دينية أو وطنية أو حرفية، فالمفتاح الدال على تمسك الفلسطيني بحقه بالعودة يأخذ مكان الصدارة بين القطع، وكذلك المدفع والفانوس اللذان يرمزان إلى شهر رمضان، والجرار الزراعي والفأس والفخاريات التي تشير إلى مهن معينة
أمنيات وأحلام
ويحلم الحرفي أبو رائد بأن يتمكن من تطوير مشروعه الصغير وإيجاد من يتبناه ويؤمن بفكرته، ليصبح بازاراً لكل من يهوى فؤاده حب الوطن، ويقدس رموزه الدينية والوطنية، وأن يتمكن من المشاركة في معارض محلية ودولية، وألا يقف إبداعه في صناعة وتطوير التحف والقطع الفنية عند هذا الحد، فإظهار الجمال الذي يكتنف غزة وأهلها يجب أن يظهر للعالم أجمع بأبهى صورة ممكنه بحسب تعبيره.