أزمة العلاج بالخارج،، مرضانا على عتبة الموت
تاريخ النشر : 2017-01-23 21:09

غزة-نوى:

فجّرت حادثة استشهاد الطفل أحمد شبير "17 عامًا" قضية المرضى الممنوعين من السفر للعلاج خارج قطاع غزة وكذلك الذين لا يتلقون ردًا، إذ تسبب تأخير حصول الطفل شبير على علاجه في تفاقم وضعه الصحي ومن ثم وفاته.

تقول والدته أن ابنها الذي وُلد بإعاقة في القلب، كان يُعالج في القدس، لكن الاحتلال أعاق العام الماضي منحه موعدًا لمراجعة المستشفى رغم أن العائلة أرفقت الأوراق الطبية التي تتثبت خطورة تأخّره، لكنه حين وصل إلى حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة لمقابلة المخابرات الإسرائيلي وفقًا لطلبهم وكما يحدث مع الكثير من المرضى، تعرّض للمساومة بالتخابر معهم مقابل السماح له بالمرور فعاد إلى غزة ومن ثم توفي.

أزمة متفاقمة

ويعاني الوضع الصحي في قطاع غزة ضعف إمكانيات فرضت على وزارة الصحة تحويل المرضى الذين لا يتوفر علاجهم في القطاع إلى مستشفيات تتعاقد معها في الضفة الغربية والقدس وفلسطين المحتلة عام 1948؛ ويحتاج المرضى عادة إلى ما يسمى "موافقة أمنية" من الاحتلال الإسرائيلي من أجل السماح لهم بالمرور عبر حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة وهو ما يؤدي تأخّر وصولها أو رفضها أصلًا حياتهم للخطر أو وفاتهم كما حدث في كثير من الأحيان.

ويعتبر مرضى السرطان الأكثر خطورة إذ يتسبب تأخير خروج بانتشار المرض حتى لو كانت الحالة وصلت إلى مرحلة الاستقرار، تمامًا كما حدث مع السيدة سهام التتر، التي كانت تُعالج في مستشفى المطلع بالقدس المحتلة من سرطان الغدد الليمفاوية، ووصلت إلى مرحلة متقدمة من العلاج واستقرت حالتها، بل واعتبرت نفسها ناجية.

تقول السيدة الأربعينية:"رفض الاحتلال منحي تصريحًا خلال الشهور الأربعة الماضية، ما أدى لانتشار المرض بعد أن كانت حالتي مستقرة تمامًا"، تضيف إنها حصلت مؤخرًا على تصريح بعد جهود بذلتها مؤسسات حقوق الإنسان، وراجعت المشفى الذي قرر إجراء العديد من الفحوصات الطبية لها لمعرفة مدى انتشار المرض ومدى التراجع في حالتها.

تبدي سهام أسفها للوضع الذي وصلت إليه وتطالب الجهات المختصة بمنح مرضى السرطان تصريح مفتوح، فهم يحتاجوا إلى تلقي الجرعات كل 21 يومًا ومن الحرق جدًا التقدم بطلب تصريح في كل مرة.

بيانات

مركز الميزان لحقوق الإنسان أصدر بيانًا سرد فيه تفاصيل ما حدث مع الطفل شبير، وتحدّت عن أزمة التحويلات الطبية لمرضى قطاع غزة ومعاناتهم بسبب الاحتلال، ذكر البيان  أنه وفق البيانات المتوفرة فمنذ مطلع العام 2016  ازدادت أعداد المرضى الذين رفضت قوات الاحتلال طلباتهم للحصول على تصريح للمرور عبر حاجز بيت حانون (إيرز) للوصول إلى مستشفياتهم لتلقي العلاج، والتي يشكل مرضى السرطان منها ما نسبته (50 – 60%)، حيث قدمت دائرة التنسيق والارتباط في وزارة الصحة الفلسطينية في العام 2015، (21.873) طلباً لقوات الاحتلال الإسرائيلي لاستصدار هذه التصاريح والحصول على الموافقات اللازمة، وتمت الموافقة على (16.988) طلباً، وبنسبة بلغت (77.66%)، بينما رفضت (1244) طلباً، والطلبات الأخرى ظلت بدون ردود وتحت الفحص.

وأضاف بيان الميزان أن عدد الطلبات المقدمة في 2016 بلغ (26.277) طلباً، وتمت الموافقة على (16.289) طلباً، بمعدل بلغ (61%)، بينما تم رفض (1725) طلباً، والطلبات الأخرى ظلت تحت الفحص، وفي شهر ديسمبر وحده من العام المنصرم 2016، تراجعت نسبة الطلبات الموافق عليها بشكل كبير فبلغت (40%)، وأفاد مصدر مسؤول في دائرة التنسيق والارتباط، أن تلك القوات وسعت الفئة العمرية التي تخضع للفحص الأمني لتصبح ما بين (16-55) عاماً والتي كانت في وقت سابق ما بين (16-35) عاماً.

 وأوضح الميزان أن مرضى السرطان بالتحديد يمنعون من استكمال العلاج (أي بعد حضور المريض لجلستين أو ثلاث من العلاج وحين يصبح بحاجة لجلسات إضافية) مما يعيق من فعالية الأدوية والعلاجات التي حصل عليها المريض في السابق، إذ يستوجب العلاج أن يكون وفق سلسلة متواصلة وفي أوقات زمنية محددة، ونتيجة لذلك تتدهور حالة المريض.

انتهاكات

يقول يامن المدهون منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان إن الاحتلال بحجبه العلاج عن المرضى يرتكب عدة مخالفات للقانون الدولي منها الحق في الحركة والتنقل والحق في الحصول على مستوى طبي مناسب، والقانون الدولي واضح جدًا في هذه المسائل.

يضيف المدهون إن تعريض المرضى للمقابلة مع المخابرات الإسرائيلية أيضًا مخالف للقانون الدولي فهو يدخل في دائرة الاستجواب والقانون واضح في منع استجواب المرضى، لكن الاحتلال حاصر الناس وجعل الأمور أكثر سوداوية فهم حتى حين يتعاملون مع الحالات الخطرة لا يعتبرون أن حالات فقد البصر ضمن الحالات الطارئة والعاجلة.

أما رفعت محيسن مدير دائرة التنسيق في وزارة الصحة فقال بأن الاحتلال الإسرائيلي رفع منذ بداية العام 2016 سن الفحص الأمني، فبعد أن كان يفحص الأعمار ما بين 16-35 تم رفع السن إلى 15-55، وهذا أدى لتعقيدات وزاد من معاناة المواطنين وتأخير حصولهم على الرد من الجانب الإسرائيلي.

ونفى محيسن وجود سبب محدد للحالات التي يتم رفضها، وأن الجانب الإسرائيلي فقط يرد بأنه مرفوض أمنيًا وأحيانًا لا يرد، وهذا ما أدى لتراجع صحة الكثير من المرضى، مضيفًا أن وزارة الشؤون المدنية شكّلت لجنة لمتابعة قضية المرضى الممنوعين مع الجانب الإسرائيلي.

ولم يبدِ محيسن أي تفاؤل إزاء احتمال أن تكون السنة الحالية أفضل من سابقتها، فكل المؤشرات حسب رأيه تدفع باتجاه أن الوضع يسير باتجاه التعقيدات ذاتها، وبالحديث عن إمكانية جلب الأدوية إلى قطاع غزة قال بأن الخيار كان مطروحًا لكن اعترضت عليه شركات الأدوية.

د.محمد لافي من منظمة الصحة العالمية، يبدي أسفه لما آلت إليه الأوضاع ويؤكد أن المنظمة تسعى للمتابعة مع المرضى الممنوعين من السفر والذي لا يحصلون على الموافقة الأمنية، ويضيف أنها تتواصل مع العديد من الجهات المحلية والدولية من أجل حل هذه المشكلات.

بخصوص نقص الأدوية أكد لافي أن المنظمة تسعى حاليًا لإدخال بعض الأدوية اللازمة وهذا سيساهم ولو جزئيًا في علاج المرضى ولو عبر مراكز متخصصة، فالمنظمة تعمل على حق المرضى في الوصول إلى الخدمات الصحية.

السرطان هم الأخطر

عودة إلى مرضى السرطان الذين يعتبرون الأخطر من بين كل الفئات، والذين يمنع عددًا كبيرًا منهم من الوصول إلى المشافي خارج قطاع غزة للعلاج، برنامج العون والأمل الذي يعمل على المتابعة مع مريضات السرطان، نظم قبل شهر من الآن وقفة احتجاج أمام مقر وزارة الشؤون المدنية في غزة وطالبوا بإقالة وزير الصحة على اعتبار أن الوزارة لا تبذل جهدًا كافيًا لمتابعة قضيتهم.

تقول مديرة البرنامج إيمان شنن وهي أيضًا إحدى مريضات السرطان، أن المشكلة أيضًا فلسطينية وليست متعلقة بالاحتلال فقط، فحين نظموا اعتصامًا لم يلتفت لمطالبهم أحد معتبرة أن مريضات السرطان ليسوا على أجندة أحد والكل يتعامل معهم باعتبارهم ميتون لا محالة وهذا ظلم.

وقالت شنن الأصل أن يظهروا لنا كيف يتفاوضوا مع الاحتلال وأن يجيبوا لماذا لا يدخلوا الأدوية إلى قطاع غزة، مشيرة إلى أن تكلفة علاج السرطان بالتحويلات الطبية تبلغ 8 مليون دولار وينخفض هذا المبلغ إلى 5 مليون إذا تم إحضار الأدوية لغزة.

وأضافت بغضب:"مارسنا كل وسائل الضغط، لم يبق إلا أن نحمل أكفاننا ونعتصم، سيكون المشهد بشع جدًا إن فعلنا، فهل ينتظرون هذه الخطوة!!!"؛ مؤكدة أنه إذا استمر تجاهل القضية سيتم تشكيل تحالف الممنوعات من أجل القيام بخطوات ضغط على كل الجهات.

لكن ومع كل هذا الكلام تبقى معاناة الناس مستمرة، فالحاجة زينب العمور التي ترافق حفيدتها البالغة من العمر 6 شهور في المستشفى الأوروبي تقول إن حفيدتها تعاني وضعًا صحيًا خطيرًا نتيجة وجود خلل في الدم كما تؤكد الفحوصات الطبية، وتحتاج إلى إجراء فحص سريع جدًا خارج قطاع غزة.

وتكمل إن العائلة تقدمت بطلب منذ يوم الخميس الماضي مرفقًا بأن الوضع طارئ ويهدد حياة الطفلة، إلا أنه لم يتم الرد حتى اللحظة وهذا يزيد ممن معاناة العائلة التي تحتاج إلى الاطمئنان على طفلتها.

وتؤكد استمرار أزمة مرضى العلاج بالخارج ضرورة تكاتف كل الجهود من أجل إنقاذ حياة المرضى، فهناك أدوية بالإمكان إدخالها إلى قطاع غزة ولا مبرر للحكومة الفلسطينية لاستمرار المماطلة في هذا الأمر أما من حيث المبدأ، فمن المفترض أن تكثّف المؤسسات الحقوقية الضغط بالتعاون مع الجهات الدولية من أجل حل هذا الملف.