غزة- شبكة نوى :
يجلس نزار أبو عمرو إلى جوار سرير ابنه سامر (27 عامًا)، الذي حملته الحرب من النزوح إلى الإصابة إلى أسرّة المستشفيات في الزوايدة وسط قطاع غزة، بانتظار فتح معبر رفح البري، شريان مرضى قطاع غزة الذي يوصده جيش الاحتلال الإسرائيلي أمامهم!
يروي الأب بحزنٍ تفاصيل بداية الكارثة :"احنا من حي الشجاعية، نزحنا أكثر من 18 مرة. وكان النزوح قبل الأخير في خيمة على رصيف شارع الرشيد قرب ميناء غزة غربي مدينة غزة".
في العاشر من سبتمبر 2025م، كانت عائلة أبو عمرو على موعد مع مأساة إصابة نجلها "سامر"، إذ يروي والده نزار لشبكة "نوى": "أراد الاحتلال قصف برج طيبة الذي نسكن أسفله، ذهب ابني سامر برفقة 4 شبان لإخلاء امرأة وطفلها من منطقة الخطر، وبعد دقيقتين فقط من التحذير قصفوا البرج، استشهد الشبّان الأربعة وأصيب سامر إصابة خطيرة".
اخترقت شظية رجل سامر اليمنى والحوض، مسبّبة تفتت العظام والمفصل بالكامل، وتهتّك الأنسجة، وفقدانه الزراعات العظمية، نُقل سامر إلى مستشفى الشفاء ومكث 21 يومًا، نُقل بعدها إلى مستشفى ناصر في خانيونس حين تقدّم جيش الاحتلال في تلك المنطقة خلال عمليته العسكرية الأخيرة.
نزار :نتواصل مع الجهات الطبية لكن دومًا ردهم (انتظروا فتح معبر رفح)، والاحتلال ما زال يماطل، كل يوم تأخير تتدهور حالة ابني
يضيف نزار بصوتٍ مكسور :"لا يزال سامر مُلى على ظهره لا يستطيع التحرّك، منذ إصابته حتى الآن تلقّى 35 وحدة دم، وكل يوم عمليات تنظيف للإصابة، حاولوا عمل ترقيع لكن لا يوجد عظم، الأطباء قالوا بصراحة :علاجه خارج غزة فقط".
أقرّ الأطباء تحويلة طبية لسامر تُصنّف بأنها "إنقاذ حياة"، رغم ذلك ما زال ينتظر السفر منذ أشهر، يتابع نزار :"نتواصل مع الجهات الطبية لكن دومًا ردهم (انتظروا فتح معبر رفح)، والاحتلال ما زال يماطل، كل يوم تأخير تتدهور حالة ابني".
يختم الأب المكلوم برسالة علّها تجد آذانًا مصغية :"نتمنى من الوساطاء الضغط على الاحتلال لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والبروتوكول الإنساني المنبثق عنه، حتى يعش أولادنا، (احنا محاصرين ولا منفذ لنا غير معبر رفح)".
في قطاع غزة يعيش آلاف المرضى والمصابين بين انتظار لا ينتهي وأمل يتآكل يوميًا، فيما يوصد الاحتلال معبر رفح البري جنوب قطاع غزة -بوابة العلاج الوحيدة- أبوابه في وجه هذه الفئات الهشّة، تاركًا الحالات الحرجة تحت وطأة الألم، وحياة معلقّة بقرار سياسي لم يصل حتى الآن.
منظمة الصحة العالمية:16,500 مريض من قطاع غزة ينتظرون الإجلاء الطبي العاجل، بينهم مصابون بإصابات بالغة جراء القصف
يوميًا تستيقظ العائلات الفلسطينية على أمل إعلان فتح المعبر ولو جزئيًا؛ ويتلاشى مع نهاية اليوم بخيبة أخرى، وفي أقسام الطوارىء والمبيت بالمستشفيات المتهالكة يراقب الأطباء مرضاهم وصحتهم تتدهور تدريجيًا، وفي ظل الإغلاق المستمر تحوّلت رحلة العلاج إلى معركةٍ إضافية يخوضها المرضى والمصابون فوق آلامهم، بلا أدوية كافية ولا أجهزة مناسبة ولا أفق نحو الخارج.
وتُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن نحو 16,500 مريض من قطاع غزة ينتظرون الإجلاء الطبي العاجل، بينهم مصابون بإصابات بالغة جراء القصف، ومرضى سرطان ومرضى قلب، وحالات تحتاج جراحات دقيقة لا يمكن إجراؤها في القطاع الذي دُمّر نظامه الصحي وخرجت معظم مستشفياته عن الخدمة.
ووصفت المنظمة في تدوينة نشرتها على موقع إكس معبر رفح بأنه "منفذ حيوي للإجلاء الطبي ومدخل رئيسي للإمدادات الصحية"، محذّرة من أن استمرار الإغلاق يعني موتًا بطيئًا لآلاف المرضى الذين لا يحتملون الانتظار.
في جنوب القطاع، يقف سيف الدين ماضي (36 عامًا) على حافة القلق وهو يراقب طفله يوسف (3 أعوام)، الذي لم يعرف من الطفولة إلا الإزرقاق وضيق التنفس والغرف الباردة في المستشفيات.
يقول سيف الدين لـ "نوى": "يوسف انولد بعيبٍ خلفي في الصمام الأورطي، بس ما اكتشفناه من البداية، كان يزرقّ، ونَفَسه عالي، إلى ان تم اكتشاف حالته قبل عدة أشهر فقط".
سيف الدين:استمرار اغلاق معبر رفح يدمر حياة ابني. ابني لازم يسافر بسرعة
منذ تلك اللحظة بدأت رحلة طويلة بين المستشفى الكويتي ومستشفى ناصر، وفحوصات عديدة لم تكشف المشكلة إلا بعد معاينة طبيبة مختصة في جراحة قلب الأطفال، شُخّصت حالته بأنها مشكلة خطيرة في الصمام الأورطي، تتطلب إصلاحاً أو تغييراً فورياً، لأن تأخيرها يُضعف عضلة القلب ويهدّد حياته، وفق حديثه.
ويحكي بصوت يغلُب عليه الأسى: "يوسف ابني الوحيد، وعندما علمت بتدهور حالته الصحية لم أتمالك نفسي وانهالت دموعي، أقرّ الأطباء تحويلة عاجلة إلى أي دولة مختصة في جراحة قلب متقدمة".
ويوضح أن التحويلة الطبية جاهزة منذ 3 أشهر، وينتظرون اتصالًا هاتفيًا من منظمة الصحة العالمية. لكن للأسف السفر معلّق بسبب استمرار اغلاق معبر رفح.
ويختم سيف الدين حديثه برسالة موجعة: "الحالة الصحية لابني كل يوم في تدهور شديد، حيث يتعرض للاختناق وضيق التنفس وازرقاق الشفتين، كل حلمي أشوف ابني بخير، فلم يبقَ لي غيره بعدما تهدّم بيتي وكل ما أملك، استمرار اغلاق معبر رفح يدمر حياته. ابني لازم يسافر بسرعة".
شامية:بقاء المرضى في غزة وهم ينتظرون التحويلات يدفعهم للتردد على المستشفيات المُنهكة أصلًا، مما يشكل عبئًا على أقسام الخدمات والطوارئ والمبيت
من جهته، يفيد الوكيل المساعد في وزارة الصحة بقطاع غزة الدكتور ماهر شامية، بأن هناك ما يزيد عن 16 ألفًا من المرضى لديهم تحويلات جاهزة وينتظرون السفر، محذرًا من أن عدم سفرهم يؤدي إلى انعكاس خطير على صحة هؤلاء وخصوصًا مرضى الأورام والسرطان.
ويؤكد شامية لـ "نوى" أن عدم سفر هؤلاء المرضى يُسبب لهم مضاعفات خطيرة، خصوصًا مرضى السرطان والأورام الذين قد يتفشى المرض في أجسادهم، مما يؤجل إمكانية شفائه، وقد يؤدي ذلك إلى وفاتهم.
ويقول :"بقاء المرضى في غزة وهم ينتظرون التحويلات يدفعهم للتردد على المستشفيات المُنهكة أصلًا، مما يشكل عبئًا على أقسام الخدمات والطوارئ والمبيت"، مشيرًا إلى أن خطورة الأبعاد النفسية التي تُصيب المرضى الذين ينتظرون السفر للعلاج وذويهم.
ويبين أن كل هذه الأمور مجتمعة تُشكل عبئًا على المريض وصحته والنظام الصحي المُنهك في قطاع غزة، لافتًا إلى أن استمرار إغلاق المعبر أدى لوفاة عشرات المرضى، نتيجة تدهور حالتهم الصحية.
ويؤكد شامية، أن الاحتلال يضرب اتفاق التهدئة بعرض الحائط حيث يواصل سياسة القتل البطيء والابادة الجماعية ضد شعبنا وخاصة المرضى، من خلال استمرار اغلاق معبر رفح البري، وحرمان المرضى من حقهم في العلاج بالخارج تحت حجج واهية.
ويطالب الدول الراعية لاتفاق التهدئة وعلى رأسها الولايات المتحدة وقطر ومصر بضرورة الضغط على الاحتلال لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه خصوصاً من الجانب الإسرائيلي، "يجب على الأقل خروج المرضى كمرحلة أولى لإنقاذ حياتهم".
























