غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تحت شمس الظهيرة يتصبب جبين النازحة أماني حسنين عرقًا. لقد وصلت للتو إلى نقطةٍ طبيةٍ افتُتحت مؤخرًا وسط تجمعٍ لخيام النازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة؛ لتطمئن على حملها وصحة جنينها.
تقول لسيدةٍ كانت تقف قبلها في الطابور، بعد زفرةٍ طويلةٍ ترافقها ابتسامة: "الحمد لله، هذه النقطة أنقذتني من مشوارٍ طويل كنتُ سأقطعه من خيمتي إلى المستشفى مشيًا على الأقدام".
نزحت أماني (39 عامًا)، من بيتها في حي الزيتون بمدينة غزة عدّة مرات، حتى انتهى بها المطاف داخل خيمةٍ تبعد مسافةً كبيرةً عن مستشفى شهداء الأقصى، وبذلك كانت مسألة متابعة حملها في ظل انقطاع وسائل المواصلات، صعبةً بل تكاد تكون مستحيلة.
حالة أماني بحاجة للمتابعة بشكلٍ مستمر في ظل سوء التغذية، وانعدام الخضراوات والفواكه، التي "وإن وُجدت فلا يمكن شراءها لارتفاع سعرها وعدم وجود مصدر دخل" تقول.
وفي ظل إغلاق المعابر وشُح الأدوية، ووصول العشرات من الشهداء والجرحى يوميًا نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، صارت متابعة المستشفيات للحالات الاعتيادية ضعيفة، وهذا حدا بثلاثة أطباء للمبادرة بإنشاء نقطةٍ طبيةٍ في خيمة، افتُتحت في الخامس والعشرين من مايو/ آيار المنصرم، بدعمٍ من مؤسسة "فلسطينيات".
تخبرنا أماني: "أحضر للخيمة منذ أسبوعين. يتابع الطبيب حالتي ويوجهني لما فيه الفائدة حسب الموجود، إلا أنه لا يستطيع تقديم العلاج أو الفيتامينات اللازمة رغم حاجتي الكبيرة، بسبب انعدام توفرها".
وقبل إنشاء الخيمة -يحكي النازح نبيل أبو دياب- أنه عاش لحظات مروعة، لا يمكن أن ينساها، عندما اضطر للذهاب إلى المستشفى في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل تحت وقع القصف الإسرائيلي.
يقول: "أصيب طفلي بمغصٍ شديد ولم يكن هناك أي نقطة طبية قريبة. حملتهُ بين يدي وذهبت مشيًا على الأقدام للمستشفى".
يتابع: "أثناء عودتي لاحقتني طائرة كواد كابتر حتى وصلتُ الخيمة"، معقبًا: "لم أتخيل أن أنجو، لقد كان موقفًا مرعبًا".
وعبّر نبيل عن حاجة المخيم الكبيرة للنقطة الطبية، في ظل وجود أكثر من 300 نازح من ضمنهم أطفال وكبار سن، مصابون بأمراض مزمنة، قائلًا: "نعيش داخل المخيم ظروفًا مأساوية خاصة في فصل الصيف، حيث تكثر الحشرات والقوارض التي تصيب الأطفال. هذا وحده يستدعي وجود نقطة طبية قريبة".
داخل الخيمة، يجلس الطفل سامر جرادة على كرسي. يُغيِّر الطبيب جروحه التي أصيب بها أثناء اللعب. وتخبرنا والدته: "أستيقظ من الصباح وأذهب للخيمة الطبية، أصطف في طابور الانتظار حتى يأتي دور ابني فأغير له على الجرح. قال لي الطبيب علي أن أحضر يوميًا حتى لا يصيبه التهاب أو مضاعفات".
وتقول: "الخيمة وفرت عليّ جهدًا كبيرًا رغم قلة الإمكانات، فلم أعد بحاجة لركوب العربة التي يجرها الحمار، والتأخر على موعدي، والانتظار لساعات في المستشفى، ثم العودة بنفس الطريقة في ظل الخطر المحدق من كل حدبٍ وصوب".
وعن سبب إنشاء الخيمة، يقول الطبيب يوسف البرعي: "حين بدأ النازحون يتوافدون من رفح إلى دير البلح مجددًا، وازدحم المخيم بخيامهم، فكرنا بإنشاء النقطة الطبية لخدمتهم"، مردفًا: "لا يمكن أن أصف لكم سعادة النازحين بالفكرة، واستعدادهم لتقديم ما يستطيعون عليه من أجل تنفيذها".
صعوبات كثيرة واجهت الأطباء أثناء مرحلة تجهيز الخيمة في ظل انعدام المستلزمات في الأسواق، يتابع البرعي: "شهر كامل وأنا أبحث عن خيمة ومكتب وكراسي، وطاولة نضع عليها معدّاتنا البسيطة".
وتحدّث الطبيب البرعي عن حاجة الخيمة لمستلزمات كثيرة، أهمها الأدوية، وجهازَي الأكسجين والتبخيرة للأطفال الذين يعانون من الأزمات التنفسية والربو الشعبي، ناهيكم عن سرير لفحص المرضى، وطاولة للغيار على الجروح.
وتابع: "نبدأ عملنا من التاسعة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، في ظل جو الخيمة الحار خاصةً وقت الظهيرة، كما أننا نحتاج لمصدر طاقة ومياه كي نواصل عملنا ونخدم أكبر فئة من النازحين".
وفي ظل انعدام سيارات الأجرة، يضطر الأطباء من أجل الوصول إلى النقطة الطبية، لركوب عربات يجرها الدواب، فيما يتحدثون طوال الوقت عن أملهم في تطوير الخيمة، وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة فيها، لتخدم أكبر عدد من النازحين.