شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 13 يناير 2025م02:23 بتوقيت القدس

شابٌ احترق داخل سيارته في مايو

سيارات "الغاز"..قنابل موقوتة في طرقات غزة

"المواصلات": نجهّز مسودة تشمل المواصفات والعقوبات
30 سبتمبر 2023 - 09:34
صورة أرشيفية للسيارة التي تعرضت للاحتراق في مايو 2023
صورة أرشيفية للسيارة التي تعرضت للاحتراق في مايو 2023

غزة:

لم يمرّ الثامن عشر من مايو/ أيار الماضي بشكل عاديٍّ على قطاع غزة، فقد غزا الحزن القلوب بعد انتشار خبر وفاة الشاب إياد فريد الأخرس (21 عامًا) داخل سيارته احتراقًا، قبالة سواحل مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة!

الشاب الذي يعمل سائق أجرة لسيارةٍ من نوع "سوبارو"، فقد حياته جرّاء تسريب  الغاز الذي يستخدمه بديلًا للبنزين في سيارته، ما تسبب باحتراقها وهو بداخلها.

المأساة التي خلفها الانفجار، فتحت الباب على مصراعيه للحديث عن استخدام الغاز المنزلي بديلًا عن البنزين لتشغيل السيارات في قطاع غزة، وزادت ذعر المواطنين في الشوارع، لا سيما في ظل عدم وجود قانونٍ يشمل استخدامه كوقودٍ للسيارات في فلسطين، أو يضبطه بشروط.

تقول السيدة إسلام عطالله: "كنت متجهة من خان يونس إلى غزة، وركبتُ سيارةً كانت رائحة الغاز فيها واضحة. سألتُ السائق عن مصدر الرائحة فأنكر أنه يستخدم الغاز أصلًا، ثم وبعد إصراري اعترف، وحاول طمأنتي ضاحكًا، لكن الشعور بالخطر لازمني حتى وصلتُ إلى عنواني".

صورة لأنبوبة غاز في الجانب الخلفي لسيارة من غزة

وليست السيدة عطالله وحدها تشتكي، فعددٌ كبير من المواطنين الذين تحدثت إليهم "نوى" اتفقوا على عدم شعورهم بالأمان في سيارةٍ يمكن أن يشموا رائحة غازٍ بداخلها، أو أن يسمعوا صوت الأنبوبة فيها وهي تتدحرج مع حركة السيارة.

يقول محمد الجمل الذي يعمل صحفيًا: "في عام 2019م اشتريت سيارة تعمل على الغاز. كنت كثيرًا ما أشمُّ رائحته رغم محاولاتي الدائمة للتأكد من سلامة الأنبوبة وتبديل الجِلَد، إلا أن الشعور بالخطر لم يتركني، حتى دفعني أخيرًا للعودة إلى نظام البنزين".

ويوضح الجمل أن خطورة سيارات الغاز في قطاع غزة، تكمن في أن تحويل السيارة يتم محليًا، بتحويلة موجودة في مقدمة السيارة، يتم وصلها مع الأنبوبة في الخلف، وهو ما يجعل الغاز يسير مسافةً طويلةً داخل السيارة بتمديدات لا تراعي السلامة معظم الأحيان -على حد قوله- "ناهيكم عن التعب المستمر في الحاجة الدائمة لفحص الأنبوبة" يضيف.

صورة لجهاز تحويل الغاز في مقدمة السيارة

ويتابع: "هذه السيارات تعمل حاليًا بلا رقابة، خلافًا لسنوات سابقة كان يتم فيها مصادرة أجهزة التحويل".

وبشكلٍ منفصل، التقت "نوى" بسائقين (رفضوا ذكر أسمائهم)، أقروا استخدام غاز الطهي كوقودٍ لسياراتهم بدعوى أنه "أوفر من البنزين"، وبرغم تأكيدهم مراعاة إجراءات السلامة، إلا أن رائحة الغاز بداخل سياراتهم التي عاينتها الشبكة كلها كانت تؤكد خلاف ذلك.

أحد السائقين برر: "أسعار البنزين والسولار مرتفعة، ولم يعد لدينا مجال سوى الاستعانة بالأرخص كي نحقق دخلًا معقولًا، فالفارق بين الغاز والبنزين يصل إلى نحو 30 شيكلًا في اليوم، وهذا المبلغ نحن أولى به".

صورة أخرى لأنبوبة غاز في سيارة أجرة 

سائقٌ آخر، أقرّ بأنه يعمل على منظومة "الغاز" منذ سنوات، لكنه لا يشعر بأي خطر كونه يتأكد من إجراءات السلامة -على حد قوله، ويضيف: "قارنوا فرق السعر بين خروجي من الجنوب بتشغيل البنزين أو الغاز، التكاليف التي ندفعها عالية وهامش ربحنا ليس كبيرًا، لذا كنت مضطرًا للجوء إلى الغاز".

وأكد الرجل أن سيّارته مُرخّصة، "ولكن في التوصيف مكتوبٌ أنها تعمل على البنزين وليس على الغاز".

خميس حمادة، ميكانيكي وصاحب ورشة تصليح سيارات بمدينة غزة، يعمل منذ سنوات في مهنة تحويل السيارات من نظام البنزين إلى الغاز، ويجزم أن المشكلة ليست في النظام، "فهو آمنٌ وعاديٌ إن تمت مراعاة إجراءات السلامة" يقول.

صورة لجهاز التحويل للغاز في مقدمة السيارة

ويتابع: "يجب أن يكون التحويل سليمًا، فأي خطأ يمكن أن يتسبب بحريق (..) المواطن حين يركب السيارة، يُفترض ألا يميز إن كانت تسير على الغاز أو البنزين، ولكن وجود رائحة غاز في السيارة يعني وجود مشكلة، وعادةً تكون بسبب المرابط، والأصل أن يتم تركيب جهازٍ جديد بقطع حديدية جديدة، وبنظام الكبس وليس المرابط".

وعلى مدار نحو خمس سنوات، عمل حمادة على تحويل أكثر من 2000 سيارة من نظام البنزين إلى الغاز، مؤكدًا أنها متنوعة ما بين سيارات لمواطنين وسائقين، أو حتى سيارات حكومية، وأخرى تابعة لمؤسسات "والغالبية لسائقين على الخط".

وفي ذات الوقت، يؤكد أن الكثير من السيارات المُحَوّلة التي مرت عليه بغرض التصليح في الورشة، لم تكن تراعي إجراءات السلامة، موصيًا بضرورة "أن تتخذ الجهات الحكومية إجراءات تضمن سلامة صاحب المركبة والمواطنين، والإشراف على عمل ورشات التحويل، فهذا في مصلحة الجميع".

في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يعمل الميكانيكي عبد الله زعرب على تحويل السيارات من بنزين إلى غاز. يوضح: "التحويل يتم من خلال جهاز إما مصري أو تركي وكلاهما جيد، يوضع في مقدمة السيارة، وتُمدد منه خراطيم مياه من أجل التبريد، تصل للأنبوبة التي تكون في خلفية السيارة".

وأوضح الشاب الذي يعمل في تحويل السيارات منذ 10 سنوات، أن الخطورة تحدث حين يتم تركيب الأنبوب بمرابط غير متماسكة، أو باستخدام جهاز به تلفيات، فيحدث تسريب الغاز الذي يعمل مثل شرارة الولاعة، وبالتالي يمكن أن يتسبب بحريق، مستدركًا: "لكن إن تمت مراعاة إجراءات السلامة بشكل كامل فالأمر آمن تمامًا".

ويجزم الشاب الذي تمر عليه عشرات المركبات بغرض التصليح، أن الكثير من السيارات التي تعمل على الغاز لا تراعي إجراءات السلامة، لكنها تحصل على ترخيص باعتبارها سيارة بنزين أو سولار، "فالجهاز يتم تركيبه بعد حصول المركبة على ترخيص باعتبارها سيارة سولار أو بنزين".

نقيب السائقين رزق خلف قال من جهته لـ"نوى": "كافة السائقين المسجلين لدى النقابة يحصلون على البطاقة باعتبار أن سياراتهم تعمل على البنزين أو السولار، ولا يوجد من بين المسجلين أيًا ممن يعمل على سيارة تمشي على الغاز".

وتابع: "من يحصل على الترخيص أصلًا لا تعمل سيارته على الغاز، لعدم وجود قانون يعالج هذه الجزئية، لكن هذه التجاوزات قد تحدث في ظل ارتفاع أسعار السولار، وقد يتسبب هذا في مخالفات مرورية لعدد كبير"، مضيفًا: "هذا الموضوع لم يُناقش، فالنقابة تناقش أوضاع المسجلين، والموضوع غير معلن في أروقة الجهات الحكومية، لكن النقابة تؤيد أي قرار فيه تخفيف على السائقين".

الخرطوم الناقل للغاز من خلفية السيارة إلى مقدمتها

المهندس هاني مطر نائب مدير عام الشؤون الفنية في وزارة النقل والمواصلات، أكد وجود سيارات تعمل على الغاز المنزلي، "فنحو 50 ألف سيارة مرخّصة للعمل على البنزين، قابلة للتحويل على منظومة الغاز" يقول.

ويوضح أن ترخيص السيارات للعمل على الغاز يتطلب مصادقة، وهذا لا يحدث لعدم اعتماد منظومة خاصة بذلك، عازيًا تأخّر الجهات الحكومية في متابعة هذا الملف لعدة عوامل، أولها آلية إدخال الوقود عن طريق المعابر، وثانيها عدم اعتماد نظامٍ خاص بهذا الأمر حتى اليوم.

ورغم تأكيد مطر أنه يسمع عن هذا الموضوع منذ عام 2006م، إلا أن القضية -وفقًا لرأيه-  تراكمية وجماعية، "ولا تستطيع الوزارة اتخاذ قرارات بخصوصها إلا من خلال التواصل مع الجهات المعنية، خاصةً وأن الأمر كان في بدايته ولم ينتشر بالشكل الذي نراه الآن".

ويزيد: "دوريات السلامة تعمل على الطرقات، لكن ضمن اجتهادات، إذ يوجد ثغرات في كيفية التعامل مع هذه المنظومة، ولكن إن كان هناك خطر محدق مثل تسريب غاز، يتم توقيف السائق واتخاذ إجراءاتٍ عقابية بحقه، بينما لا يتم توقيف سيارات أخرى تعمل على الغاز، ما لم تبدُ عليها أي مشكلة كونها لا تشكل خطرًا".

ورغم تأكيده عدم ترخيص السيارات التي تعمل بنظام الغاز في قطاع غزة، إلا أن هناك نوع من عدم الاستمرارية في التعامل مع قطاع السيارات المُسيرة بالغاز، "وعند وقوع مشكلة تقع المسؤولية كاملة على عاتق السائق الذي عليه أن يكون متأكدًا من سلامة عمل التحويلة في سيارته على الدوام" وفق قول أحد السائقين.

وشرح مطر أن منظومة الغاز يتم استيرادها من مصر وتركيا، وقال "هي ممتازة"، ويتم بيعها لأصحاب الورش لتزويد الراغبين في تحويل مركباتهم إلى الغاز بها كونه أرخص سعرًا، مستدركًا: "الأصل أن لهذه المنظومة خزان خاص يتم تثبيته في السيارة، يقال إنه مطاطي ويتحمل ضغطًا عاليًا ولا يسمح بالتسريب، لكنه غير متوفر في قطاع غزة".

وأكد مطر وجود تجاوزات لدى السائقين، فيما لم ينكر تأخر السلطات المختصة في وضع ضوابط أو حلول لهذه الإشكالية،  "فالملف مسؤولية جماعية، ورغم أنني التقيت عددًا ممن يركّبون الأنظمة وشرحوا أمامي آلية التركيب التي تكون بمواصفات عالية، إلا أن التحدي الحقيقي في أنبوبة الغاز، ووجود الخزان المطاطي آنف الذكر، والذي يمنع الاحتلال إدخاله لقطاع غزة".

وأضاف: "لجنة متابعة العمل الحكومي شكّلت لجنةً تضمّ عدة جهات، منها وزارة النقل والموصلات، والمالية، والعمل، والدفاع المدني، وهيئة المواصفات والمقاييس، للعمل على مسودة نظام متعلقة بموضوع استخدام الغاز للسيارات، مكوّنة من أربعة فصول، ما بين تعريفات ومصطلحات، واشتراطات فنية ومواصفات، والإجراءات العقابية للمخالفين".

وتعالج المسودة التي يجري العمل عليها -حسب مطر- محاور أساسية، تتعلق بأنظمة وورش التحويل، ومحطات التعبئة، ومحطات الفحص، وكيفية التعامل مع منظومة الغاز، باعتبارها مادة شديدة الحساسية، "لذلك هناك سلسلة قوانين تم عرضها في مسودة الاشتراطات التنظيمية، وسيتم تحويل الأمر لوزارة الحكم المحلي التي لديها لجنة متعلقة بالمهن الخطرة".

ووفقًا لمعطيات التقرير، فإن سيارات المواطنين التي تعمل بوقود غاز الطهي كبديلٍ للبنزين، وسواءً كانت عمومي أو ملاكي، تعمل جميعها دون ترخيصٍ رسمي، ما يعني عدم إلمام جهات الاختصاص بإجراءات السلامة فيها، لاسيما وأنها (جهات الاختصاص) لا تملك إحصائية أو أية بيانات عن أعداد تلك السيارات، أو أعداد الورش التي تعمل على تحويل النظام!

وعليه يبقى خيار وقوع المزيد من الضحايا "احتراقًا" في سيارات الغاز واردًا، وأمام عدم وجود قانونٍ يضبط الأمر أو يجرّمه، أو جهة يمكن إدانتها في حال وقوع حوادث مشابهة، إلى من يتوجه المواطن؟ ومن يطالب؟ ومَن يدين؟

السيارة الأولى

السيارة الثانية

كاريكاتـــــير