دورا:
سرعان ما أنهت السيدة رندة العويوي طلبيات المعجنات والمفتول المطلوبة، تمهيدًا لإرسالها إلى أصحابها، لتبدأ بعدها على الفور إلى جانب زميلاتها بإعداد كميات من حلوى "المطبّق".
السيدة رندة التي ختمت العقد الرابع من العمر، هي واحدة من 38 امرأة يتشاركن في تعاونية "جمعية دورا التعاونية للتصنيع الغذائي" بمحافظة الخليل بالضفة الغربية. فرافقت الجمعية منذ نشأتها حتى الآن، وما زالت تَعدّ المكّان بيتها الثاني.
تقول رندة: "ساهمت في الجمعية منذ نشأتها عام 2005م وما زالت مستمرة، حينها بدأ أبنائي يكبرون وشعرت بحاجة للعمل، ووجدت ضالتي في الجمعيات التعاونية التي كانت بالنسبة لي شيئًا جديدًا أسمع عنه لأول مرة".
كانت في بداية العقد الثالث من عمرها، حين اتجهت رندة للحصول على دورات تدريبية مختلفة التخصصات، وتعرّفت على فكرة الجمعيات التعاونية التي تقوم على مشاركة كل سيدة أو عضو فيها بمبلغٍ يتيح الانطلاق بمشروع جماعيٍ خاص. اتفقت النساء على الانطلاق منذ ذلك الحين، وقد كانت بذرة جمعية "دورا" التعاونية للتصنيع الغذائي.
تكمل رندة: "أسسنا الهيكل التنظيمي، وأتممنا الأوراق وانطلقنا. فكرة الجمعيات التعاونية جميلة وفيها بُعد تنموي كونها قائمة على جهد المشارِكات، إضافة إلى كونها تسهم بشكل رئيسي في تنمية مهارات وشخصيات النساء المشاركات".
تستثمر النساء المساهمات في الجمعية المواسم الزراعية المختلفة في التصنيع الغذائي، فموسم العنب مثلًا تنشط فيه جهود تخزين ورق العنب، والدبس والمربى وغيرها، كما توسع النساء منتجاتهن بغاية زيادة مستوى التوزيع، وتحقيق استفادةٍ أعلى.
الشابة ياسمين شديد (33 عامًا) أيضًا، هي واحدة من المساهِمات، وقد عملت لفترة سكرتيرة للجمعية بحكم شهادتها الجامعية في هذا المجال، لكنها الآن تعمل في السوبرماركت الذي افتتحه الجمعية في السنوات الأخيرة.
تقول ياسمين لـ"نوى": "التحقتُ بالجمعية منذ عام 2013م بحكم أن والدتي واحدة من المساهمات منذ بداية الفكرة، أعجبتني فكرة أن تكون النساء صاحبات فكرة، وهن صاحبات رأس المال. لم تكن لدي ميول للوظائف التقليدية فكان انضمامي للجمعية أفضل".
تخرجت ياسمين من الجامعة لقناعتها أن الشهادة الجامعية تجعل العمل مهنيًا أكثر، والتحقت بالتعاونية لرغبتها في أن تكون ضمن نساء يعملن بمالهن الخاص، مهما كان حجم المبلغ الذي يجنوه نهاية الشهر.
تؤمن ياسمين أن العمل في التعاونيات يُسهم في رفع معنويات النساء اللواتي يشكّلن دعمًا لبعضهن، وتنمي شخصياتهنّ بشكلٍ سريع، ويصبحن أكثر استقلاليةً وقوة، حتى أن انتقالها للعمل للبيع في سوبرماركت خاص بالجمعية، لم يكن مشكلة بالنسبة لها رغم أن هذه المهنة اصطبَغت بالطابع الذكوري.
غالبية النساء في الجمعية هن من المزارعات كما تروي ياسمين، والتعاونية تشتري منهن حصادهن ومن ثم تعمل على إدخاله في منتجات التعاونية المختلفة.
وعن طموحها تختم: "أخططُ حاليًا لتأسيس شركة تسويق زراعي تسوّق منتجات الجمعية داخليًا وخارجيًا، من خلال "بكِجات" غير تقليدية، وأن تخدم هذه الشركة كل المساهمات في الجمعية".
هدى شديد، هي رئيسة الجمعية حتى وقت قريب، وهي من العضوات المؤسسات للجمعية، تروي لـ"نوى" فكرة نشأة الجمعية منذ عام 2005م، حين اتفَقت 20 امرأة على تأسيس جمعيةٍ تعاونية، يعملن من خلالها على فكرة التصنيع الغذائي بشكل جماعي، لما في ذلك من دعم مالي ونفسي وتعاون بينهن.
تكمل: "كانت الفكرة غريبة في بدايتها وسرعان ما التقطتها النساء. ميزة الجمعيات التعاونية أنها ملكٌ لأعضائها، وهنا وصل عدد العضوات إلى 38 امرأة، كلهن تغيرت حياتهن تمامًا نحو الأفضل".
تسهم الجمعية حسب شديد في تحسين المستوى الاقتصادي للنساء المساهمات، وتوفير فرص عمل لهن، كونها تدار من قبل أعضائها، إضافةً لمساهمتها في التنمية الثقافة بالمنطقة، من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافة المختلفة.
تتابع: "حين بدأنا، لم يكن لدينا كل هذه الخبرة، وحصلنا على دورات مختلفة من الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في مجالات الإدارة ودراسة الجدوى وغيرها من التدريبات التي ساهمت في تنمية مهاراتنا الإدارية والمالية وفي مجال الصناعات الغذائية وأصبحت الجمعية معروفة للكثيرين".
تُنمّي الجمعيات التعاونية من قدرات ومهارات المساهمات فيها كما تؤكد شديد، وهي مختلفة تمامًا عن فكرة الجمعيات الأهلية الأخرى.
على مدار 18 عامًا، نجحت المُساهِمات في تغيير الصورة النمطية عن النساء، وخاصة ربّات البيوت، كون غالبية المشاركات من ربات البيوت، ينتجن الآن 22 صنفًا غذائيًا مختلفًا يتم تسويقه على المؤسسات حسب الطلب وتشتريه ربات البيوت، من بينها 18 ألف كيلو من المفتول.
مؤخرًا، افتتحت الجمعية "سوبرماركت" يدار من قبل نساء، مثلما تُدار كل أنشطة الجمعية ومشاريعها الأخرى المتمثلة في حضانة ورياض أطفال، ومشروع حمام زراعي، تعمل فيه مزارعات.
لكن الاحتلال الذي يصر أن يكون عقبةً في طريق كل محاولة فلسطينية للنجاة، تركَ آثاره الدامية على الجمعية، تقول السيدة هدى إن وجود المستوطنات يتسبب في صعوبة الوصول إلى كرم العنب وصعوبة وصول نساء من خارج دورا إلى مقر الجمعية، ناهيك عن التخوّف الدائم من الاعتداءات الإسرائيلية وصعوبة الوضع الاقتصادي بسبب إجراءات الاحتلال وتأثير ذلك على مستويات التسويق.