شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الاثنين 05 يونيو 2023م20:41 بتوقيت القدس

"معنّفات".. دموعٌ مخبأة تحت وسائد "الصبر"

23 اكتوبر 2022 - 11:07

شبكة نوى، فلسطينيات: تمر الأيام ثقيلة على قلب "منار" داخل بيت زوجها بعدما أجبرتها عائلتها على العودة إليه، رغم ما لاقت على يده طوال خمس سنوات من ضربٍ وإهانة، "وذلٍ" كما تصف لـ "نوى". تنظر إلى طفلَتيها منه وتبكي ذلك المصير المُر، وتدعو ألا يريهما الله ما رأت على يد أبيهما يومًا.

تروي الحكاية ودموع العين تسبقها، وتقول: "زوجي هو ابن عمي. كانت جدتي منذ كنتُ صغيرة قد اتخذت قرار ارتباطنا، وكانت تردد بالحرف: ابن عمك بياخدك من على ظهر الفرس، أي هو أولى بي ولو كنتُ في عُرسي لغيره".

في تفاصيل الحكاية، كبُرت منار، وابن عمها معها كبُر "فاشلًا، اتكاليًا، لا ينفع لشيءٍ سوى لجلسات الصحبة التي تضم كل ما يمكن أن يتخيله العقل من سوء"، وعلى عكسه كانت الفتاة "جميلةً، يانعة الفكر، قوية الشخصية، وفي المدرسة من أوائل فصلها".

تقدّم لخطبتها بينما كانت تُقدّم امتحانات الثانوية العامة. "انتكاسة بالمعنى الحرفي للكلمة" تصف الموقف، وتكمل: "لا أستطيع أن أخبركم بحجم الصدمة، لا، هذا الشخص ليس لي، ليس هذا حلمي، هل أقضي حياتي مع شخصٍ لا يشبهني. ابن عمي نعم، لكنه ليس لي".

كل ذلك لم يكن له قيمة أمام "كلام الرجال" تضيف. "والدي الذي كان يعلم جيدًا أن مستقبلًا عظيمًا ينتظرني، وافق، وقال بالحرف الواحد: بخسرش أخوي علشانك".

هنا شعرَت منار بمعنى "الانكسار"، "أن تأتي الصفعة من الذي يفترض أنه السند والحماية. أن يُفرّط أبي بي لأجل شقيقه، هذا ما لا يمكن أن أسامح به أبدًا".

تزيد: "وعدني عمي بأنني سأجد مع ابنه السعادة، وأخبرني هو (ابن عمي) بلسانه بأنه سيتغير لأجلي، وسيفعل كل ما بوسعه لأجل أن أكون ملكة في بيته"، ملفتةً إلى أنها أمام موافقة والدها، صار الخيار الوحيد أمامها "تحسين المصير ببعض الشروط"، إيجاد عمل، التوقف عن لقاء صحبة السوء، وإكمال الدراسة في بيته، وفقط".

تقول منار: "وافق، وأنا اطمأن قلبي، لكن ما حدث بعد العرس بأيام، جعلني أُيقن أنني ضحية اختيارات المجتمع وتقاليده البالية".

ثلاثة أيامٍ فقط، قرر بعدها "أيمن" (اسم مستعار) أن يعود للقاء أصحابه القدامى بدعوى أنه "زهق"، فلما راجعته بشرطها، ضربها، وقال لها: "ما عاشت اللي بدها تحكمني". منذ ذلك اليوم صارت "يده طويلة"، تطال وجهها عند أي اعتراض، وتطحن قلبها المفطور برفضه الخروج من البيت للتعليم "لأنه رجل، ويغار".

لما كانت منار تخبر أمها، وتريها البقع الزرقاء المنتشرة على طول جسدها، كانت تطبطب على كتفها وتقول لها: "نصيبك يما، ما في حل، هذا إبن عمك، وبدناش أبوكي يزعل"، حتى جاء ذلك اليوم، الذي قررت فيه أن تتمرد، وطلبت التسجيل في الجامعة فرفض. كررت الطلب، فرفض بصوتٍ أعلى، كررته ثالثةً فانهال عليها أمام طفلتيها الصغيرتين ضربًا بعصا المكنسة حتى انكسرت نصفين.

خرجت منار إلى بيت أهلها تجر خيبتها، بجسمٍ مُزرق، وقلبٍ مفطور، وطفلتين لا تعرفان سوى أنهما تحتاجان أمهما.. كثيرًا. طلبت الطلاق هناك، فكان رد والدها "صفعة" تقول إنها لم تشعر بها أبدًا. "هي صفعة من ضمن صفعاتٍ أقوى تلقيتها منذ تزوجت هذا الرجل" تعقب.

وتزيد: "والدي صرخ في وجهي يومها: ما عندي بنات يتطلقو، شو بدك يقولو الناس؟"، مردفةً: "قضيتُ في بيت أبي بضعة أيام، وبدأ عمي يتوسط لعودتي وإلا.. هاتي البنات". لم يكن أمام منار خيار سوى العودة، لتكمل ما تبقى من حياتها هناك، في ظل رجل "فاشل" يتكل على مصروف أهله، يحادث الفتيات ليلًا عبر فيس بوك، ولا يكثرت لبكاء بناته كلما همّ بضرب أمهن.

قصص عنفٍ كثيرة، مخبأة في علب الأسمنت التي تخنق غزة. بيوتٌ تخفي تحت أسقفها الكثير من الدموع لنساءٍ ساقهن القدر لحياةٍ لا تشبههن في شيء، فارتبطوا بشركاء لا يحملون من الكلمة إلا حروفها، بينما المعنى في خبر كان.

"ياسمين" فتاةٌ أخرى، لطالما حلُمت بفستانٍ أبيض ترتديه، بينما يمسك بيدها فارسها الذي سينتشلها من قاع الألم في بيت والدها، حيث كانت "صباح الخير بعلقة، وتصبحو على خير بعلقة".

كان والدها شديدًا، فهو الذي تزوج اثنتين لينجب الصبي لكن الله له حكمته، فأنجبت زوجتاه البنات. خمسةٌ هنا، وأربعةٌ هناك. تقول لـ "نوى": "حياةٌ صعبة جدًا عشتها وشقيقاتي في كنفه. كل يومٍ كان يردد على مسامعنا: يلعن البنات وخلفتهن. كان دائم النقمة علينا، ولي أخوات زوّجهن لأول طارق باب، بينما لا يعرف عنهن شيئًا إلا من العيد للعيد".

في اليوم الذي تقدّم فيه شابٌ لخطبتها، طارت ياسمين من الفرحة، وبكت كثيرًا "أخيرًا سيخلّصني الله من ما أنا فيه" كانت تحدث نفسها، بينما ينغّص عليها أحلامها الوردية تلك صوت والدها يدعو عليهن وعلى أمهن بالموت والمرض.

تضيف: "وافق أبي. كان شابًا لا أعرفه، قالت أمه إنه يعمل في السوق (عاملًا) لكن لا بأس، العمل ليس عيبًا، هو رجل وقادر على كفاية بيته، مهذب وخلوق، ويعرف الله، وهذا بالنسبة لي يكفي. كل ما كنتُ أتمناه فيه أن يطبطب على قلبي، ويعرفني معنى الحب الذي حُرمتُ منه في بيت أهلي".

بدا الأمر ورديًا في فترة الخطوبة، لكنه انقلب أسودًا غمًا في بيته. عاشت مع أمه وأختيه تحت سقفٍ واحد، ولطالما تربصن لها في كل حركةٍ وسكنة. "وهو الغضنفر الذي يريد أن يؤكد لأمه أنها ربّت رجلًا، كان أقل ما يفعله فيها أن يضربها على مرآها ومسمعها، ويشتمها بأمها وأبيها الذي يعي تمامًا أنه غير مستعدٍ لأن يعيدها إلى بيته أبدًا".

تعلق: "معاملة والدي السيئة لنا أعطته المبرر. عرّفته كم أنا رخيصة في نظر أهلي، فلماذا يرتفع سعري عنده؟"، متابعةً: "على قسوة هذا التعبير لكنني أشعر نفسي بالفعل سلعة، بلا قيمة، مهملة على رف وتعلو قلبي الحسرة".

ويمثل العنف ضد المرأة -وفق منظمة الصحة العالمية- مشكلة مستديمة، وكبيرة، من مشاكل الصحة العامة، وانتهاكًا لحقوق الإنسان التي تتمتع بها المرأة، حيث تشير التقديرات العالمية المنشورة من المنظمة أن واحدة من كل 3 نساء (30%) في أنحاء العالم كافة، تتعرض في حياتها للعنف.

وحسب المنظمة، يمكن أن يؤثر العنف سلبياً على صحة المرأة البدنية، والنفسية، والجنسية، وصحتها الإنجابية، وأن يتسبب في زيادة خطورة الإصابة بفايروس العوز المناعي البشري في بعض الأماكن، مؤكدةً أن بالإمكان منع العنف ضد المرأة، "إذ يؤدي قطاع الصحة دورًا مهمًا في تزويد المرأة المعرضة للعنف بالرعاية الصحيّة الشاملة، بوصفه مدخلًا لإحالتها إلى خدمات دعم أخرى قد تلزمها".

كاريكاتـــــير