القدس:
اشتباكاتٌ محتدمة منذ يومين في القدس. المقدسيون داخل وخارج أسوار المسجد الأقصى في مواجهةٍ مباشرة مع جنود الاحتلال، وشرطته، ومستوطنيه، وبأيديهم فقط، يحاولون منع انتهاك حرمة المسجد، وتدنيس صبغته الإسلامية.
في تفاصيل البداية، فقد نفخ الصهيوني المتطرف يهودا جاليك مطلع شهر سبتمبر الجاري، في البوق "الشوفار" بالمنطقة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، وفي اليوم التالي كرر الأمر على جبل الزيتون، وبعدها في مقبرة باب الرحمة، وعلى قبرَي الصحابيين عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس.
النفخ في البوق، ودلالاته بالنسبة للمستوطنين، استفزّت مشاعر المسلمين إزاء مقدساتهم الدينية، وتسببت في احتدام المواجهة، وما زاد الطين بلة سماح محكمة الاحتلال الإسرائيلي للمتطرفين اليهود بممارسة طقوسهم تلك، وهو ما اعتد به المستوطنون، وتغطّوا به للمضي في انتهاكاتهم قدمًا.
اليوم الثلاثاء، هو ثاني أيام ما يسمى بـ"عيد رأس السنة العبرية" وفقًا للتقويم العبري، وهي التي اتخذوا منها ذريعة للنفخ في البوق مجددًا، واقتحام باحات الأقصى، وإعلان سيطرتهم عليه.
تقول الناشطة المقدسية فاطمة خضر لـ"نوى": "إن الأوضاع داخل المسجد متوترة مع اقتحامات الاحتلال والمستوطنين لباحات المسجد، إذ تم اعتقال شبّان بعد ضربهم والاعتداء على مرابطات، من قبل جنود الاحتلال الذين اقتحموا الباحات بأعداد كبيرة".
الناشطة التي تمكنت بصعوبة من دخول المسجد صباح اليوم، تعاني منذ مدة من صعوبة دخول المسجد بسبب وضع الاحتلال لنقاط تفتيش، وتحويل المناطق المحيطة بالحرم إلى ثكنات عسكرية للجيش، ومنع إدخال الطعام للمرابطين الذين لا يغادرون المسجد، ويحاولون منع المستوطنين من اقتحامه، وهو ما تعمل المرابطات على إدخاله خلسة.
خضر حمّلت الحكومات العربية مسؤولية استمرار الأوضاع السيئة بالقدس، "فما يجري يحتاج إلى مساءلة الاحتلال أمام الأمم المتحدة، وتحرك السفارات لفضح انتهاكات المقدسات الإسلامية".
وفقًا للباحث هاشم الفخراني، فإن "نفخ قرن الكبش، أو الشوفار كما يسميه المتطرفون، له عدة دلالات، منها: الاحتفال برأس السنة العبرية، والإعلان عن خطرٍ قريب، أو اقتراب الحرب، وأهمها، إفشال مؤامرات الشيطان ضد بني إسرائيل حسب اعتقادهم".
الباحث المقدسي زياد ابحيص كتب في مقال له على صفحة مدينة القدس، مقالًا بعنوان "لماذا يصر الصهاينة على نفخ البوق في الأقصى؟"، قال فيه: "البوق في العقل الصهيوني هو إعلان هيمنة وسيادة، بالمعنى السياسي الذي يتطلعون له في العام الثالث من حملة "نفخ البوق" التي سبقها نفخ البوق حول أبواب المسجد الأقصى عام 2020 وداخل ساحاته عام 2021.
وقد سبق لمؤسس حاخامية جيش الاحتلال، شلومو جورين، أن نفخ في البوق في سيناء عند احتلالها لأول مرة عام 1956م، ومع القوات المقتحمة للمسجد الأقصى عام 1967م، وعند حائط البراق بشكل يومي، ليُعلن عودة الطقوس التوراتية.
"والنفخ في البوق داخل المسجد المبارك، هو تكريسٌ للأقصى باعتباره مركزًا للعبادة اليهودية؛ وهذه المعاني الرمزية المكثفة هي التي تجعل اليمين الصهيوني بمختلف مواقعه في الحكومة والأمن والمحاكم وجماعات الهيكل يرى فيه هدفًا يستحق الإصرار عليه"، وفق بحيص.
صباح اليوم اقتحم عشرات المستوطنين باحات المسجد الأقصى على شكل مجموعات متتالية، واعتدوا على المصلين، والمرابطين أيضًا، وذلك بعد يوم من الاعتداءات المستمرة على المواطنين الفلسطينيين في المناطق المحيطة بالمسجد الأقصى، مثل الطور، والبلدة القديمة، وسلوان.
ونقل تلفزيون فلسطين على لسان مراسلته في القدس نهاد حجازي أن "الاقتحامات بدأت منذ الثامنة صباحًا على شكل مجموعات، الأولى في الفترة الصباحية، والثانية الساعة الواحدة في الفترة المسائية، وهذا هو التقسيم الزماني الذي يتحدث عنه اليهود للمسجد الأقصى المبارك".
وقالت حجازي: "إن يوم أمس شهد اقتحام 406 من المستوطنين بحماية من جنود الاحتلال وجيشه، وهو عدد أقل من المتوقع بسبب صمود المرابطين والمرابطات، حيث فشل المستوطنون في إدخال البوق إلى باحات المسجد، وبالتالي ظل النفخ خارجه".
وتابعت: "هناك تخوف كبير من تصاعد الاعتداءات على المقدسيين في المرحلة المقبلة، فهذا الشهر يشهد ثلاثة أعياد لديهم: عيد رأس السنة العبرية، وبعده عيد الغفران، ثم عيد العرش، لذا فقد شدد الاحتلال من إجراءاته، ومنع من هم دون سن 40 عامًا من دخول المسجد الأقصى، وحوّل كل المناطق المحيطة به إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، التي عزَلت المسجد كله.
وبالإضافة إلى ذلك، أطلق الاحتلال طائرة مسيرة تحوم في الأجواء طوال الوقت، يقول نشطاء إنها تعمل على التقاط الصور لكل ما يجري داخل باحات المسجد الأقصى.
ووفق مراسلة تلفزيون "فلسطين"، فإن جنود الاحتلال اعتدوا على البلدات المحيطة، وأطلقوا قنابل الغاز المسيلة للدموع داخل البلدة القديمة، ومنطقة سلوان، واعتدوا على المواطنين، "وبالتزامن مع هذا كله، تتواصل أعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى بحثًا عن ما يسميه الصهاينة بـ "هيكل سليمان".