شبكة نوى، فلسطينيات: "لم يكن الأمر سهلًا بالمطلق، لكن بعد ما حدث مع زوجي لم يكن أمامي أي حل سوى هذا" تقول غدير زعرب (36 عامًا) لـ"نوى" بينما تترقب نضج أحد الأرغفة داخل فرن الطابون في حوش منزلها.
اتجهت غدير لصناعة الخبز البلدي قبل نحو عامين، عندما انسدت السبل في وجهها، ووجه زوجها الذي انهار فوق رأسه نفق تجاري كان يعمل فيه قبل ما يزيد على عشرة أعوام. أما الفكرة، فلمعت في ذهنها لمّا تذوقت صديقتها المقربة خبز طابون أعدّته، فأقنعتها بأن تجعل من هذا الطريق "مصدر دخل" فكثيرون يشتهونه ولا يعرفون كيف يُعد.
تضيف زعرب التي تعمل بمساعدة زوجها وأبنائها: "البداية لم أقتنع. كان الأمر صعبًا، حتى أن زوجي رفض الأمر جملةً وتفصيلًا، لكن وأمام إلحاح الحاجة، والرغبة في الحياة بأقل القليل دون أن نضطر لسؤال الآخرين، توافقنا على البدء بالعمل في المشروع البيتي الذي أطلقنا عليه اسم (مطبخ نور)، الذي قدمت من خلاله الكثير من الأصناف، كالمفتول، وخبز الطابون البلدي، والمعجنات، والبيتزا، وحتى الكُرَش".
بالعودة إلى اليوم الأول الذي انطلق فيه المشروع، تخبرنا غدير بأنها لم تكن تمتلك أي مبلغٍ يمكنها من البدء فعليًا، لكن الرغبة كانت تتملكها للبدء من أجل تغيير واقع أسرتها للأفضل "حتى وإن كان الدخل شواقل معدودة"، فيسر الله لها الأمر دون تعب. "اتفق زوجي مع سوبر ماركت لإمدادنا بالمواد الخام، ثم نسدد ثمنها فور بيع المنتج، وبالفعل هذا ما حدث" يكمل.
منذ هذا اليوم تتبع غدير وهيثم الطريقة نفسها في العمل، "صحيح أننا أصبحنا نعمل بشكل متواصل، لكن في الأغلب عملنا للمحيطين بنا من أقارب ومعارف وأصدقاء، ما جعل المردود المالي ليس كما كنا نتوقع، أو كما يتخيل البعض، لكنه والحمدلله ستر حاجتنا" تعقب.
يتعاون الزوج هيثم مع زوجته في صناعة الخبز، هي تتولى العجن والتقطيع والفرد، بينما يتولى هو عملية إشعال الفرن، وتجهيزه والبقاء بجانبه حرصًا على بقاء النار مشتعلة حتى تنتهي من العمل. "ليس هذا فحسب، بل إنه يساعدني في تقطيع الخضروات وتجهيزها لعمل البيتزا" تستدرك.
يساعد غدير وهيثم أبناءهما الذكور في توصيل الطلبيات لبعض الزبائن الذين يطلبون التوصيل للمنزل. عن ذلك تقول: "يتسابق أبنائي لمساعدتي في العمل، رغم أن العائد ليس كبيرًا لكنه بالفعل غيّر الكثير في حياتنا، أصبحتُ أشعرُ أننا عائلة منتجة، ومثار فخر لأبنائنا كوننا لم نستسلم للحاجة وقلة العمل".
تقلب غدير رغيفًا ساخنًا أخرجته من الفرن للتو بين كفيها، وتزفر تعبًا ثم تكمل: "العمل شاقٌ جدًا"، وتزيد: "أعجن بالطريقة اليدوية، وأكثر ما أتمناه أن أتمكن من شراء عجانة تسهل علي العمل، وتخفف من المجهود الذي أبذله من أجل إتمام طلبيات الخبز التي بدأت تزداد مع انتشار صورنا على مواقع التواصل الاجتماع".
تحلم غدير اليوم من أن تتمكن من تجهيز مطبخ مستقل عن المنزل يجعلها أكثر استقلالية وقدرة على مواكبة كل ما يطلب منها، والاستعانة بأخريات في العمل، ما يفتح الباب أمام تطويرهن ومنحهن فرصة للاستفادة من مهارتهن في أعمال الطبخ.
أكثر ما يجعل غدير تشعر بالسعادة أنها أصبحت أكثر ثقة بنفسها، وأكثر فخرًا بما تقدمه من عمل رغم بساطته، وتجاوزها النظرات السلبية، ومحاولات الإحباط من البعض، "أنا أؤمن بأنني اليوم خطوت خطوةً عريضة باتجاه ما أصبو إليه، وعلى يقين بأن القادم أجمل" تختم.