شبكة نوى، فلسطينيات: "ابني كره المدرسة بسبب معاملة أحد المُدرّسين له" تقول أم زين التي فضلت تسميتها بكنيتها وحسب. وتكمل: "منذ عامين وابني يعيش عقدة سببها له معلمه، عندما أطلق عليه لقبًا جعله مضغةً في أفواه الطلبة من أبناء صفه (..) حتى الدروس الإلكترونية، كان يتابعها دون أن يشغّل كاميرا".
وفي التفاصيل: زين من طلبة الابتدائية المتميزين، مدلل أهله، وحبيب أبيه، ولأن شعره "جميل"، كان والده يطيله له إلى حد الكتف، "وهو أيضًا كان يعترض تمامًا على فكرة قصه"، كونه اعتاد على شكله هكذا منذ أن كان في صف البستان، وهذا ما جعله ضيفًا دائمًا لدى مدير المدرسة، بإيعازٍ دائمٍ من مدرّس فصله.
"وأكثر من مرة، استدعي والده للمدرسة لمناقشة الأمر معه، وكان يطلب من المدير مهلةً لإقناع الطفل، حتى لا تنتكس حالته النفسية، كون رفضه كان قاطعًا للأمر منذ أن دخل الصف الأول" تضيف الأم، وتزيد: "كان المدير يتفهم الموضوع –ليس كثيرًا- لكن على الأقل، كان يعطي مهلةً تلو أخرى، إلا أن مربي الفصل قضى الأمر من طرفه، عندما نادى الطفل مرةً بـ "يا حلوة"، ما جعله أضحوكة الأطفال من حوله، وصاحب لقبٍ مزعج لا يناديه الطلبة إلا به!
وقبل استكمال التقرير، تجدر الإشارة إلى أن "نوى" لا تدعم مخالفة الأنظمة واللوائح المدرسية، لكنها تسجل اعتراضها عبر هذا التقرير على "العنف اللفظي" التي ينتهجه بعض المعلمين إزاء الطلبة، وصولًا إلى التنمر وفق قاعدة "التربية، قبل التعليم".
تعقب أم زين: "رغم شكوى زوجي للإدارة، والوضع النفسي السيء الذي يعيشه ابني منذ ذلك الحين، إلا أن المعلم دافع عن تصرفه بقوله: كنتُ أدفعه ليقص شعره فقط، ولم أقصد أية إساءة".
زين اليوم في الصف الرابع، وحسب أمه، ما زال يواجه ذلك اللقب بين الفينة والأخرى، رغم أنه وخلال عامين من التعليم الإلكتروني كان يتابع دروسه دون أن يشغّل كاميرا "لعل زملاءه ينسون"، لكن للأسف تضيف الأم: "لا يعلم المدرسون غالبًا أن كلمةً منهم –كقدوات- يمكن أن تدمر ثقة طفل، وتعيش معه العمر كله".
وتشكو أمهات من معاملةٍ تحمل في ثناياها شكلًا من أشكال العنف اللفظي والنفسي، والبدني، تقول إحداهن وتدعى "مريم" لـ "نوى": "تعاني ابنتي من ضعفٍ في النظر أثر على تحصيلها الدراسي، ولسوء حظها أن العامين الماضيين شهد فيهما التعليم حالة من عدم الاستقرار، ما زاد من تردي حالتها الاستيعابية سوءًا".
في بداية العام، توجهت الأم إلى المدرسة، في محاولةٍ لتنبيه المعلمات إلى وضعها الدراسي، وطلب مساعدتهم في دعمها لتخطي حاجز الخوف وعدم الاستيعاب للمنهاج، لكنها عادت في أحد الأيام –من هذا العام- وقد قررت عدم العودة إلى المدرسة ثانية، بعد أن تعرضت للضرب المبرح من المعلمة، بسبب عدم قدرتها على حل مسألة!
تتابع بغضب: "لا يهمني كثيرًا أن تحصل ابنتي على علامات مكتملة، ولكن ما يهمني ألا تكره التعليم، وألا تتعرض للتنمر من قبل مدرّساتها أو زميلاتها، بسبب ضعف نظرها، أو قلة استيعابها التعليمي". عادت الفتاة إلى المدرسة –حسب أمها- مرغمة، لكنها حتى هذه اللحظة، تمر بين زميلاتها في الصف مكسورة الثقة حزينة النفس، لا سيما وقت حصة تلك المعلمة نفسها "لظنها أن الطالبات يذكرن ذلك الموقف حتى الآن".
تضيف أم ثانية واسمها ياسمين الشنطي: "تقول لي ابنتي، إن إحدى معلماتها تمطرهم ألفاظًا نابية، وشتائم ما أنزل الله بها من سلطان كلما أثاروا ضجةً في الفصل، أقلّها: حيوانات، وقد تتطور الكلمات إلى ما هو أسوأ من ذلك، ناهيك عن الدعاء عليهن بكسر اليد، واختفاء الصوت والمرض والشلل وغير ذلك"، مضيفةً: "مرةً ذهبت لمراجعتها، ولما سألتُ الطالبات ليشهدن معي، وجدتهن صامتات لا ينبسن ببنت شفه، وهذا ما جعلني أتأكد أن مثل هذه المعلمة لا يمكن أن تقوم سلوكها طالما أنها ترعب الطالبات بهذا الشكل الذي يمنعهن حتى من الشكوى".
عبد الكريم عبد الله، والد طالبٍ في مرحلة الثانوية، قال: "أحيانًا يأتي ابني –وهو مميز بالمناسبة- ليخبرني بما فعله المعلم مع أحد الطلاب المخالفين، يوقفه أحيانًا قرب باب الصف طوال الحصة، وينعته بالشتائم، أحيانًا يضع قربه سلة قمامة، وأحيانًا أخرى يكيل على مسامعه ألقاب الإحباط مثل: فاشل، غبي..الخ"، مستدركًا: "في المقابل، لا يخفي ابني تجاوزات بعض الطلبة مع المدرّسين، عندما يصل الأمر ببعضهم إلى مد يده على معلمه! أو شتمه بلفظٍ سيء انتصارًا لذاته".
ويزيد: "الوضع التربوي بالعموم يحتاج إلى تقويم، لا سيما بعد غياب عامين عن التعليم الوجاهي، دور الأهل في تدعيم القيم لدى أبنائهم مطلوب، ودور المدرسة في نقل عدوى الاحترام للطلبة أهم".
وفي بداية كل عام، تصدر وزارة التربية والتعليم تعميمات لمديريات التعليم، تشدد فيها على حظر أي شكل من أشكال العنف سواء بالضرب أو الشتم في التعامل مع الطلبة، كما تقوم بتوزيع دليل سياسة الحد من العنف، وتعزيز الانضباط المدرسي، وتوزيعه على المديريات والمدارس.
كما تشكل الوزارة لجانًا للتحقيق في أي شكوى يتم تقديمها بهذا الخصوص، وتتخذ إجراءات إدارية بحق أي موظف يُثبت بالفعل تجاوزه للقرارات الوزارية بهذا الخصوص.
وتتعدد أشكال الإجراءات الإدارية تجاه المدرسين المخالفين، وفقًا لقانون الخدمة المدنية، وتتراوح ما بين لفت نظر، ونقل من المدرسة، وقد تصل إلى النقل اللوائي، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يتم تغيير طبيعة عمله، وفق تصريحٍ سابق لمدير الإرشاد التربوي في وزارة التربية والتعليم بغزة.
بينما أكد مدير العلاقات العامة في وزارة التربية والتعليم أحمد النجار لـ "نوى" أن بإمكان أولياء الأمور ممن يتعرض أبناؤهم لأي عنف في المدرسة، التوجه بشكوى رسمية سواء داخل المدرسة، أو في المديرية، أو حتى لدى الوزارة نفسها، ملفتًا إلى أن الوزارة لا تتوانى في التعاطي مع أي شكوى مهما بدت صغيرة بكل اهتمام.
معلمةٌ في إحدى المدارس –رفضت ذكر اسمها- أكدت لـ "نوى" أن الإشكالية متداخلة: "فالطالب غير الملتزم، الذي لا ينصاع للأنظمة المدرسية، قد يعاني من إشكاليات في حياته الاجتماعية المنزلية، أضف إلى ذلك المدرّس نفسه –إلا من رحمه الله- الذي بدأ يتعامل مع التعليم كوظيفة هدفها المال لا المساهمة في إنشاء جيل، خاصةً وأنه يعود لـ(تعب القلب) مع الطلبة بعد انقطاع عامين اكتفى فيهما بالمتابعة الإلكترونية الصامتة، ورصد الدرجات" على حد تعبيرها.
تعترف المدرسة أنها شاهدت بأم عينيها إحدى المعلمات تستخدم الضرب كأسلوب عقاب، وهي تضرب الطالبات وتصرخ في وجوههن، ما عزز قناعتها بأن المدرس والطالب –كليهما- بحاجة لتأهيل تربوي ونفسي بسبب ظروف القطاع الاستثنائية، من حصار وعدوان وكورونا.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، انتشر أول من أمس الأحد، مقطع فيديو صادم لحالةٍ من الهرج والمرج في إحدى مدارس بيت حانون شمال قطاع غزة، في وقتٍ احتمى فيه المدرسون ومدير المدرسة داخل إحدى الغرف من حجارةٍ كانت تنهمر فوق رؤوسهم ألقاها الطلبة نحوهم بهدف إخراج الطلبة من المدرسة بذريعة الانتفاض للأسرى –الفارين- الذين أعيد اعتقال أربعةٍ منهم من قبل الاحتلال".
الفيديو المتداول شكل صدمة لكل الأخلاقيات التي ارتبطت بمهنة التعليم، وسط خلاف حول أسباب هذه الحالة الدخيلة على المجتمع الفلسطيني، والمسؤول الرئيس عنها.
بالتزامن وفي جنوب قطاع غزة، وفي مدرسة ذكور ثانوية حدث أمرٌ مشابه، بعد قيام مدير المدرسة بمصادرة الهواتف النقالة من الطلاب، ورفضه في نهاية الدوام تسليمها لهم، ما جعلهم يهجمون عليه، وعلى المدرّسين، ويخرّبون أثاث المدرسة أيضًا!
عنف مدرسي بامتياز، لا يمكن التقليل من خطورته، ففي مقابل تعنيف المدرسين الذي يقابل في معظم الأوقات بتجاهلٍ من أولياء الأمور، تأتي هاتين الحادثتين لتطرقا جدار الخزان، بأن خللًا تربويًا أصاب طيفًا لا يستهان به من الطلبة والمعلمين في آنٍ معًا. ربما لسوء أوضاع المدرسين الاقتصادية "ونحن نتحدث عن رواتب لحكومة غزة لا تتعدى نسبتها 55%"، وسوء أوضاع العائلات الاقتصادية بسبب الحصار، وارتفاع نسبة البطالة، التي جعلت الأولوية للبحث عن الرزق، وجعلت "التربية" آخر ما يفكر به الأهل –إلا من رحم الله- وفق ملاحظات بعض أولياء الأمور الذين تحدثوا لـ "نوى".
وأيًا كانت الأسباب، لا تبرير لعنف، ولا تبرير لإهمال في التربية وغرس القيم، الأدوار تتكامل بين جزئين يرجع إليهما تشكيل شخصية الجيل الجديد، المدرسة، والبيت، فما يهمله البيت تكمله المدرسة، والعكس أصح، وعليه: إنا بلّغنا فاشهدوا.