شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الاربعاء 07 يونيو 2023م15:20 بتوقيت القدس

فقدت شقيقها في عدوان مايو..

أنصتت "تقوى" لهمس "الشهيد" فحصّلت معدّل الطب

09 اعسطس 2021 - 23:18

شبكة نوى، فلسطينيات: رغم ثوب الفرحة التي ألبسته لعائلتها يوم نتائج الثانوية العامة، بحصولها على معدل 98.6%، إلا أن تقوى الحديدي تحاول حتى هذه اللحظة ابتلاع غصّة المعدّل!

لا تنسى تقوى حتى اللحظة، كيف انتهى إعلان أسماء الأوائل على مستوى الوطن دون أن يمر بينهم اسمها، "الجميع حولي كان يقفز فرحًا، صوت الزغاريد علا، أمي بكت، وأبي كان كأنما يلامس الفخر بيديه، إلا أنا.. كنتُ وحدي أحترق" تقول لـ"نوى".

تلك الفرحة، كانت "الأولى" التي تدخل منزل الحديدي المتّشح بالحزن منذ شهرين وأكثر. إلا أنها لم تكن كما كانت "تقوى" تحب أن تهديها لشقيقها "مجاهد" شهيد مايو/ آيار الماضي، "كاملة".

"كنتُ قد وضعتُ معدلًا يشبه معدلات أوائل الوطن في خيالي، وكتبته على ورقة، ثم علقته على أحد الحوائط، كان كل شيءٍ يسير على ما يرام، كورونا، والتعليم الإلكتروني، لكن ما قلب كل شيء استشهاد أخي" تكمل.

الظروف الاستثنائية التي مرّت بها تقوى، كانت كفيلةً بجعلها تتراجع أحيانًا عن فكرة تقديم الامتحانات، وأحيانًا أخرى إلى الاستسلام لهواجس الرسوب. تلك الذكرى كانت تلاحقها دومًا، وطيف "مجاهد" لم يغادر مخيلتها لحظة..

في التفاصيل فقدت تقوى خلال العدوان الأخير على قطاع غزة شقيقها الأكبر، تمامًا في ليلة عيد الفطر. رغم عظمها إلا أن تلك الصدمة أخفت وراءها مباشرةً صدمةً أخرى: استشهاد زوجة خالها وأبناءه الأربعة بعد قصف منزلهم في مدينة غزة. "فعن أي نجاحٍ كان علي أن أتحدث؟ عن أي تفوق؟ عن أي فرحة؟" تتساءل بألم.

وتضيف بنبرة أسى: "كانت صدمةً كبيرة، مجاهد كان أكبر داعم لي، نفسيًا ومعنويًا، كان يراني أحمل شهادتي وأحقق أحلامي".

بعد استشهاده، بدت كالتائهة! كل شيءٍ حولها كان يذكرها به، لطالما افتقدت في ليالي الامتحانات المرعبة كلماته الداعمة، مساندته لها، وكل شيءٍ جميلٍ كان يخصّها به وحدها.

وتزيد: "كان هذا أصعب ما يمكن تخيل حدوثه بعد أزمة الإغلاق التي فرضتها كورونا، وانضمامنا إلى صفوف التعليم الإلكتروني، ناهيك عن زيارة الفايروس لمنزلنا بشكل خاص، مضت تلك الفترة عادية، وأجبرت نفسي على التحدي، لكن عندما استشهد أخي انهار الجبل الذي في قلبي".

في الفترة الأخيرة ما قبل الامتحانات، مرّ أمامها طيف الشهيد، ورنت في أذنها كلماته وهو يقول لها: ستحصلين على معدلٍ يمكنك من تحقيق حلمك ودراسة الطب. عندها فقط استنهضت عزيمتها، وتدثرت بآيةٍ كان دائمًا يقرأها عليها: "وبشر الصابرين"، فبدأت فعليًا بوضع خطة جديدة، مكثفة، تستطيع من خلالها تعويض ما فاتها من مراجعة.

تشرح: "كنت منذ بداية العام، ومع التعليم الإلكتروني أضع  كل الدروس التي لم أتمكن منها في ورقة أطلقت عليها اسم" متراكمات"، واستثمرت الأيام التي عدنا فيها للتعليم الوجاهي ثلاثة أيامٍ أسبوعيًا في دراسة هذه المتراكمات، ذلك في الأيام التي لا يوجد فيها دوامٌ مدرسي".

ما لم تحسب له حسبانٌ وقتها، وصول الفايروس ضيفًا ثقيلًا على قلب العائلة. "لقد حرمني من الدوام المدرسي فترةً ليست بالبسيطة، وكان من الصعب علي متابعة الدروس كلها" تقول.

وتردف: "عزلت نفسي في غرفة، وكانت وسيلة التواصل الوحيدة مع زميلاتي ومدرساتي وقتها "مجموعة واتساب" التي كنت أحصل خلالها على بعض الدروس، أما بخصوص باقي المواد، فحاولت أن أعتمد على نفسي بالبحث على شروحات عبر يوتيوب".

لجأت تقوى لدروس خصوصية في مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية لتعوض 11 يومًا متواصلة من الغياب، ما إن وضعت الحرب اوزارها، حتى بدأت فعليا بنفض الأحزان عن قلبها، وتجاوزت كل المخاوف، ثم انقضّت تلتهم المنهاج، بعد أن وضعت جدولًا جديدًا يتناسب مع الوقت المتبقي للامتحانات.

تتابع: "كانت مواجهةً صعبة مع الكتاب بعد كل هذا البعد، لكن سأخبركم سرًا: لقد وجدتُ في الكتب وسيلةً للتواصل مع شقيقي الشهيد، اجتزت هذه المرحلة واستثمرت الوقت المتبقي من أجل الامتحانات، والحمد لله حصدت معدلًا مرتفعًا رغم أنه لم يكن طموحي، لكنه يتناسب مع حجم الظروف التي وُضعت بها خلال العام الدراسي".

اليوم تبحث تقوى عن منحة كاملة تمكنها من دراسة الطب البشري، دون أن تكلّف ذويها، وربما هو ذاته السبب الذي كان يجعلها تتحدى كل الظروف لتحظى بمعدلٍ يمنحها هذه الفرصة.

 وترى تقوى أن هذه الدفعة التي تخرجت هذا العام تستحق الفرح، بعد أن اجتازت تحديات مرعبة.. حصار، وكورونا، ثم عدوان مرعب ترك الحزن بصمةً في كل بيت.

كاريكاتـــــير